الثلاثاء، 28 يونيو 2011

الكلمة

ذهب ابن تيمية أن العرب لم تستعمل لفظ (كلمة) للدلالة على لفظ مفرد خارج التركيب، وإنما إطلاقها على لفظ مفرد من اسم وفعل وحرف اصطلاح نحوي، فقال :
وَ " الْكَلِمَةِ " فِي لُغَةِ الْعَرَبِ بَلْ وَفِي لُغَةِ غَيْرِهِمْ لَا تُسْتَعْمَلُ إلَّا فِي الْمُقَيَّدِ . وَهُوَ الْجُمْلَةُ التَّامَّةُ اسْمِيَّةً كَانَتْ أَوْ فِعْلِيَّةً أَوْ نِدَائِيَّةً إنْ قِيلَ إنَّهَا قِسْمٌ ثَالِثٌ . فَأَمَّا مُجَرَّدُ الِاسْمِ أَوْ الْفِعْلِ أَوْ الْحَرْفِ الَّذِي جَاءَ لِمَعْنَى لَيْسَ بِاسْمِ وَلَا فِعْلٍ فَهَذَا لَا يُسَمَّى فِي كَلَامِ الْعَرَبِ قَطُّ كَلِمَةً وَإِنَّمَا تَسْمِيَةُ هَذَا كَلِمَةً اصْطِلَاحٌ نَحْوِيٌّ كَمَا سَمَّوْا بَعْضَ الْأَلْفَاظِ فِعْلًا وَقَسَّمُوهُ إلَى فِعْلٍ مَاضٍ وَمُضَارِعٍ وَأَمْرٍ ، وَالْعَرَبُ لَمْ تُسَمِّ قَطُّ اللَّفْظَ فِعْلًا ؛ بَلْ النُّحَاةُ اصْطَلَحُوا عَلَى هَذَا فَسَمَّوْا اللَّفْظَ بِاسْمِ مَدْلُولِهِ فَاللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَى حُدُوثِ فِعْلٍ فِي زَمَنٍ مَاضٍ سَمَّوْهُ فِعْلًا مَاضِيًا وَكَذَلِكَ سَائِرُهَا . وَكَذَلِكَ حَيْثُ وُجِدَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ بَلْ وَفِي كَلَامِ الْعَرَبِ نَظْمِهِ وَنَثْرِهِ لَفْظُ كَلِمَةٍ ؛ فَإِنَّمَا يُرَادُ بِهِ الْمُفِيدُ الَّتِي تُسَمِّيهَا النُّحَاةُ جُمْلَةً تَامَّةً كَقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا } { مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إنْ يَقُولُونَ إلَّا كَذِبًا } . وقَوْله تَعَالَى { وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا } . وقَوْله تَعَالَى { تَعَالَوْا إلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ } . وَقَوْلِهِ : { وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ } . وَقَوْلِهِ : { وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا } . وَقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " { أَصْدَقُ كَلِمَةٍ قَالَهَا الشَّاعِرُ كَلِمَةُ لَبِيدٍ : أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلَا اللَّهَ بَاطِلُ } وَقَوْلِهِ " { كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ حَبِيبَتَانِ إلَى الرَّحْمَنِ : سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ } " . وَقَوْلِهِ . " { إنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ مَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ بِهِ مَا بَلَغَتْ يَكْتُبُ اللَّهُ لَهُ بِهَا رِضْوَانَهُ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ مَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ بِهِ مَا بَلَغَتْ يَكْتُبُ اللَّهُ بِهَا سَخَطَهُ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ } " . وَقَوْلِهِ : " { لَقَدْ قُلْت بَعْدَك أَرْبَعَ كَلِمَاتٍ لَوْ وُزِنَتْ بِمَا قُلْته مُنْذُ الْيَوْمِ لَوَزَنَتْهُنَّ : سُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ خَلْقِهِ سُبْحَانَ اللَّهِ زِنَةَ عَرْشِهِ سُبْحَانَ اللَّهِ رِضَا نَفْسِهِ سُبْحَانَ اللَّهِ مِدَادَ كَلِمَاتِهِ } " 
انتهى كلامه.
قلت ما ذكره ابن تيمية من إرادة العرب بالكلمة الكلام التام أو الجملة التامة هو الغالب ، ولكن ورد إطلاق الكلمات بالجمع على الجملة الواحدة ، كقوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ رضي الله عنه:
قال ألا أعلمك كلمات تقولها في دبر كل صلاتك قلت: نعم. قال: قل اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك. 
فها هنا جملة واحدة قيل عنها كلمات..
وكقول علي رضي الله عنه لمكاتب جاء يشكو إليه عدم قدرته على توفير المال اللازم لمكاتبته:
ألا أعلمك كلمات علمنيهن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لو كان عليك مثل جبل صير دنانير لأداه الله عنك [قلت بلى] فقال: اللهم اكفني بحلالك عن حرامك وأغنني بفضلك عمن سواك.
فها هنا جملتان وسماهن علي رضي الله عنه كلمات.
وروى ابن الجوزي في بصائر ذوي التمييز ما يتعلق بعدد حروف القرآن وكلماته فقال:
وفى رواية عطاء بن يَسَار: ثلاثمائة أَلف حرف وستّون أَلفًا وثلاثة وعشرون حرفًا. وكلماته سبع وسبعون أَلف كلمة ومائتان وسبع وسبعون كلمة..
فهذه أدلة على أن العرب كانت تريد بالكلمة أحيانا اللفظ المفرد ضمن التركيب المفيد وكانت تريد بها الجملة التامة، كما كانت تريد بها الكلام الطويل كالقصيدة أو الخطبة.
والله أعلم.

مبدأ ومنهج

المبدأ: لست حكما بين الآراء ولا حاكما عليها..
المنهج: أناقش الرأي بالنظر في أدلته، ولا أنظر إلى كون صاحبه مشهورا أو مغمورا


النحو علم يعنى بدراسة علاقات الكلمات بعضها ببعض في الجملة، وعلاقات الكلمات بالجمل أو علاقات الجمل بعضها ببعض في النص الكامل.