الجمعة، 18 يوليو 2014

دفع التعارض عن أقوال سيبويه في مسألة زيادة تاء عنكبوت

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد فهذا تحقيق لمسألة استدلال سيبويه على زيادة تاء عنكبوت وتخربوت بحذفها في الجمع لدفع التعارض عن أقواله في هذه المسألة ورفع الإشكال عنها، وكان الباعث له ما جرى من نقاش شاركت فيه على تويتر.[1]
فقد ورد في الكتاب في باب علل ما تجعله زائدا من حروف الزيادة وما تجعله من نفس الحرف:
(فما خلا هذه الحروف الثلاثة [يعني الألف والياء والواو] والهمزة والميم أولا، فإنه لا يزاد إلا بثبت.
فمما يبيّن لك أن التاء فيه زائدة التَّنضُب، لأنه ليس في الكلام مثال جَعْفُر.... فهذا بمنزلة ما اشتق منه ما لا تاء فيه.
وكذلك تاء تُرتَب وتُدْرَأ لأنهن من رتب ودرأ، وكذلك جبروت وملكوت، لأنهما من الملك والجبرية,,,, وكذلك الرغبوت والرهبوت، لأنه من الرغبة والرهبة)
ثم قال:
(والعنكبوت والتخربوت، لأنهم قالوا: عناكب، وقالوا: العنكباء، فاشتقوا منه ما ذهبت فيه التاء، ولو كانت التاء من نفس الحرف لم تحذفها في الجميع كما لا يحذفون طاء عضرفوط، وكذلك تاء تخربوت، لأنهم قالوا تخارب.)
ففي هذا النص يتحدث سيبويه عن زيادة التاء، وأنها لا تزاد إلا بدليل، فذكر أن دليل زيادة التاء في تنضب ونحوه هو انعدام النظير، وهذا الدليل يعادل الاشتقاق، ودليل زيادة التاء في ترتب وتدرأ والرغبوت والرهبوت هو الاشتقاق، وكذلك دليل زيادة التاء في عنكبوت الاشتقاق لأنهم قالوا عنكباء.
كل هذا لا إشكال فيه، وإنما الإشكال في عبارتين: الأولى: (ولو كانت التاء من نفس الحرف لم تحذفها في الجميع) فهذه العبارة الشرطية غير صحيحة لأن التاء لو كانت أصلية في عنكبوت لحذفت في الجمع المكسر، فلا يتبين الأصلي من الزائد في الحرف الأخير بالجمع ولا بالتصغير لأنه يحذف على كل حال.
والعبارة الثانية: (كما لا يحذفون طاء عضرفوط) وهي أيضا غير صحيحة بحسب المعلوم المشهور في كتب الصرف التي تنص على أنه تحذف طاء عضرفوط في الجمع والتصغير فتقول: عضارف وعضيرف، لذلك قال شيخنا محمد عبد الخالق عضيمة في مقدمة فهارس سيبويه عن هذا النص  الذي يتألف من هاتين العبارتين ، قال: هذا النص خطأ بيّن لا يستقيم مع كلام النحويين البصريين ولا مع ذكره سيبويه في مواضع أخرى من كتابه.
وقد صدق فقد نص سيبويه نفسه  على ذلك حيث قال:
( واعلم أن كل زائد لحقت بنات الخمسة تحذفها في التحقير، فإذا صار الاسم خمسة ليس فيها زيادة أجريته مجرى ما ذكرنا من بنات الخمسة، وذلك قولك في عضرفوط: عضيرف، كأنك حقرت (عضرف))
ومعلوم أن حكم التصغير والتكسير واحد عند سيبيويه الذي يقول: فالتصغير والجمع من واد واحد.
فبين قولي سيبويه  في الظاهر تعارض واضح، وقد تنبه إلى هذا المبرد، فقال فيما نقله عنه ابن ولاد في الانتصار عن عبارتي سيبويه اللتين ذكرتهما:
(وهذا خطأ ، لأنه من حذف التاء لأنها خامسة، كما تحذف طاء عضرفوط في قولك عضارف.)
وذكر المبرد احتمالين فيما ورد في هذا الموضع من الكتاب، فقال:
(وما أحسبه إلا زيد عليه، أو غلط، ولكن الدليل على زيادتها قوله: العنكب والعنكباء، عنه وعن أبي زيد)
وقد رد ابن ولاد على المبرد وأراد أن يجد توجيها يدفع به التعارض عن أقوال سيبويه ويرفع عنها الإشكال، والنحويون الذين أتوا بعد ابن ولاد لم يزيدوا على ما ذكره شيئا، لذلك سأناقش ردّ ابن ولاد وبعد ذلك أذكر التوجيه الأقرب الذي تحتمله عبارتا الكتاب المشكلتان.
قال ابن ولاد:
(اعتل سيبويه لزيادة [تاء] عنكبوت بعلتين: إحداهما الجمع وحذفها فيه، والأخرى ذهابها في الاشتقاق في قولهم العنكب والعنكباء، وجاء بالعلتين معا.)
قلت هذا عرض صحيح للمفهوم من كلام سيبويه، وفيه إشارة إلى موافقة المبرد في أن علة زيادة التاء في عنكبوت هي الاشتقاق، كأنه يريد إعلامنا بأنه لن يناقش مسألة الاشتقاق، ولكنه ذكر معها العلة الأخرى وهي الجمع وحذف التاء فيه، تمهيدا لإثباتها والردّ على المبرد.
ثم قال ابن ولاد:
فأما قوله [يعني المبرد]: إن الجمع ليس بحجة في هذا، لأن الأصول تحذف من بنات الخمسة ففي هذا جوابان:
أحدهما ما ذكره في آخر كتابه، وهو أن نون عنكبوت لو كانت التاء أصلية كانت أولى بالحذف ، لأن هذا موضع زيادتها التي يقضى بها فيه عليها، فلو لم تكن التاء زائدة لقالوا: عكابت، ولم يقولوا عناكب.
والوجه الآخر أنهم لا يجمعون بنات الخمسة البتة، وإنما هذا شيء قاسه النحويون، فلما جمعوا عناكب هذا الجمع علم أن التاء زائدة، ولو كانت أصلا لما جمعوه هذا الجمع، لأنهم لا يقولون في سفرجل: سفارج إلا على استكراه، ولم يوجد جمع مثل هذا في كلامهم إلا على استكراه.)
قلت: أما الوجه الأول فلم يذكر سيبويه أن النون في عنكبوت واقعة في موضع يحكم عليها فيه بالزيادة، وليس في الكتاب ذكر لعكابت التي ذكرها، فكلامه هنا مستنبط من كلام سيبويه، وليس مأخوذا بالمعنى من عبارة سيبويه، ولا أدري من أين استنبطه، فالذي في كتاب سيبويه أن النون إذا وقعت ثالثة ساكنة فيما كان على خمسة أحرف فهي زائدة كما في عقنقل وجحنفل أما إذا كانت ثانية ساكنة فلا يحكم عليها بالزيادة إلا بثبت، وذلك نحو حِنْزَقْر وحِنْبَتْر ، وقال في تصغير (خنشليل): خنيشيل، ثم علق على ذلك بقوله:
( تحذف إحدى اللامين لأنها زائدة يدلك على ذلك التضعيف، وأما النون فمن نفس الحرف حتى يتبين لك ، لأنها من النونات التي تكون من نفس الحرف إلا أن يجيء شاهد من لفظه، فيه معنى يدلك على زيادتها)
وربما استنبط ابن ولاد كلامه من كلام سيبويه عن زيادة النون الأولى في منجنيق الآتي ذكره.
أو استنبطه من حديثه عن زيادة النون في جُندَب وعُنصَل وقُنبَر ونحو ذلك لأنه لم يجئ فُعْلَل إلا والنون فيه زائدة، وهذا يختلف عن عنكبوت وتخربوت.
وأما الوجه الآخر ، وهو أنهم لا يجمعون بنات الخمسة البتة، وأن جمعها شيء قاسه النحويون فإن عبارته في هذا الوجه تحتاج لتحرير، لأنه قال: لا يجمعون البتة ثم قال: لم يوجد هذا الجمع في كلامهم إلا على استكراه، يعني أنهم جمعوا هذا الجمع، فكان ينبغي ألا يقول: لا يجمعون البتة.
أما قوله: وإنما هذا شيء قاسه النحويون، فلا يصح، فإنه من كلام العرب وإن كان على استكراه، أما النحويون فأثبتوا اللام وقالوا: سفارجل وسفيرجل، وذكر ذلك سيبويه فقال:
(وإنما منعهم أن يقولوا سفيرجل أنهم لو كسروه لم يقولوا: سفارجل ولا فرازدق ولا قباعثر ولا شماردل، وقال الخليل: لو كنت محقرا هذه الأسماء لا أحذف منها شيئا، كما قال بعض النحويين، لقلت:سفيرِجْل، كما ترى، حتى يصير بزنة دنينير ، فهذا اقرب وإن لم يكن من كلام العرب)
فكلام سيبويه واضح في أن بعض النحويين لا يحذفون شيئا من الخماسي ، ولكنه ليس من كلام العرب، والذي هو من كلام العرب حذف الخامس ليكون على مثال مفاعل أو مفاعيل في التكسير، وعلى مثال فعيعل أو فعيعيل في التصغير.
وابن ولاد محق في جزء من كلامه، فقد عدّ سيبويه تكسير الاسم دليلا على أنه ليس من بنات الخمسة، فكل اسم ورد عن العرب تكسيره فهو إما ثلاثي أو رباعي، وهذا مبدأ بنى عليه منهجه في تمييز الزائد عن الأصلي، وهذا واضح في جمعه بين (منجنيق) و(عنكبوت) وتطبيق هذا المبدا عليهما دفعة واحدة، فقال عنهما:
( ويدلك على زيادة التاء والنون [يعني تاء عنكبوت والنون الأولى في منجنيق] كسر الأسماء للجمع وحذفها، وذلك أنهم لا يكسرون من بنات الخمسة للجميع حتى يحذفوا، لأنهم لو أرادوا ذلك لم يكن على مثال مفاعل ومفاعيل، فكرهوا أن يحذفوا حرفا من نفس الحرف، ومن ثم لا يكسّرون بنات الخمسة إلا أن تستكرههم، فيخلطوا، لأنه ليس من كلامهم، فهذا دليل على الزوائد.)
جمع سيبويه هنا بين تاء عنكبوت ونون منجنيق الأولى، وجعل حكمهما واحدا، حيث يستدل على زيادتهما بالجمع، ويحتاج كل واحدة منهما لتفصيل.
أما وجه الاستدلال في زيادة النون الأولى في منجنيق فلأنهم في الجمع قالوا: مجانيق، فحذفوا النون الأولى، ولو كانت أصلا لثبتت، ولجمعت بالتاء على منجنيقات، ولما جمعت على مفاعيل.
وأما وجه الاستدلال في زيادة التاء في عنكبوت فلأنهم قالوا في الجمع عناكب، فحذفوا التاء، ولو كانت التاء أصلية لثبتت وجمعت على عنكبوتات، ولما جمعت على مفاعل.
هكذا استدلال سيبويه، فهو لا يعتد باحتمال أن تكون الكلمة خماسية، وأن الخامس حذف من عنكبوت ليكون الجمع على مفاعل، وهذا الاحتمال اعتد به المبرد، وهذا الاعتداد، جعله يستدرك على سيبويه، ويبين أن الجمع لا يحتج به للقطع بزيادة التاء وأن القاطع في ذلك اشتقاق العنكب والعنكباء، وهذا ما اختاره ابن جني في المنصف أيضا حيث قال:
(لأنه ليس بقولهم (عناكب) يعلم لا محالة أن التاء في عنكبوت زائدة، وإنما يعلم ذلك بقولهم عنكب في معناه، وقالوا أيضا : عنكباء، فبهذا يقطع على زيادة التاء في عنكبوت)
وأما مسالة أنه ربما أراد: يحذفون التاء في عناكب من غير استكراه، وفي غيره  من الخماسي يحذفون الحرف الأخير على استكراه، فقد قال ابن جني فيها: فقد يمكن قائل أن يقول: ما تنكر أن تكون التاء أصلا، ويكون تكسير الكلمة على استكراه؟ وإذا احتج بقولهم في معناه (عنكب) سقط الكلام فهذه هي الحجة.
ثم قال ابن ولاد:
وأما قوله (كما لا يحذفون طاء عضرفوط): فيحتمل أيضا وجهين: أحدهما: كما لا يحذفونها في الاشتقاق، كما وجد في عنكبوت محذوف التاء في عنكب وعنكباء، ولم يُرِد الجمعَ في هذا، والوجه الآخر أن يكون أراد كما لا يجمعون عضرفوطا فيحذفون الطاء في الجميع ، أي: ليس يجمع مثل هذا فيقع الحذف، فهذان وجهان في تأويل ما قال.)
قلت: أما الوجه الأول فيكون تأويل عبارة سيبويه عليه : وقالوا العنكباء، فاشتقوا منه ما ذهبت فيه التاء، ولو كانت التاء من نفس الحرف لم يحذفوها في الاشتقاق كما لا يحذفون طاء عضرفوط في الاشتقاق.
 وهذا يصح لو وجد اشتقاق من العضرفوط ثبتت فيه الطاء، أما ألا يكون منه اشتقاق أصلا فكيف يُحكَم بأن الطاء لا تحذف مما اشتق منه؟
وأما الوجه الثاني فيكون تأويل عبارة سيبويه عليه: لوكانت التاء من نفس الحرف لم يجمعوها ولم يحذفوا التاء كما لا يجمعون عضرفوطا ولا يحذفون الطاء.
ويرد على هذا أنه يؤدي إلى أن يكون ذكر الحذف لغوا لا فائدة فيه، لأنه إذا كان مناط الاستدلال هو الجمع فلا حاجة لذكر الحذف التابع له، ولو كان ذلك مرادا لكان ينبغي أن يقال: لو كانت التاء من نفس الحرف لم يجمعوا عنكبوتا كما لا يجمعون عضرفوطا. فكان على ابن ولاد أن يجيب عن هذا الإيراد.
أما مسألة توجيه العبارة على أن يكون المقصود بأنهم لا يحذفون طاء عضرفوط في الجمع إلا مستكرهين، فيرد عليه أن حذف الحال مع (إلا) في مثل هذا ممتنع، فلا يجوز أن تقول: ما جئت، وأنت تريد: ما جئت إلا راكبا، ولا يجوز أن تقول: ما استقبلت زيدا، وأنت تريد: ما استقبلت زيدا إلا مكرها، كل هذا لا يجوز، فكذلك لا يجوز أن يقول سيبويه: لا يحذفون طاء عضرفوط، وهو يريد: لا يحذفون طاء عضرفوط إلا مستكرهين.
فأنت ترى أن توجيه ابن ولاد قد يدفع الغلط على تكلف ، لكن لا يرفع الإشكال.
وقد وجدت نصا لسيبويه قد يفسر مراده من عبارته، وذلك في باب ما ضوعفت فيه العين واللام كما ضوعفت العين وحدها واللام وحدها في نحو: ذرحرح وحلبلاب وصمحمح وبرهرهة، حيث يرى سيبويه أنها ثلاثية ملحقة بالخماسي فصمحمح على مثال: فعلعل، وليس على مثال فعلّل كسفرجل، بدليل أنهم قالوا صمامح، قال سيبويه:
(فلو كانت بمنزلة سفرجل لم يكسروها للجمع ولم يحذفوا منها، لأنهم يكرهون أن يحذفوا ما هو من نفس الحرف، ألا تراهم لم يفعلوا ذلك ببنات الخمسة، وفرّوا إلى غير ذلك حين أرادوا أن يجمعوا) [2]
 فالظاهر أن سيبويه لا يجيز في السعة أن يجمع الخماسي على مفاعل أو مفاعيل لأنه لا بد من حذف الحرف الأخير، وهو ما تكرهه العرب، ولذلك لم يخصص في كتابه بابا لتكسير بنات الخمسة، واكتفى بتصغير بنات الخمسة، وذكر أن الحرف الأخير يحذف في التصغير، أو الحرف الذي قبل الأخير إن كان من حروف الزيادة أو يشبه الحروف الزائدة، وذلك حكم جمع التكسير في حال الاستكراه، وحكم هذه الحال كحكم الضرورة عند سيبويه فلا يجمع الخماسي جمع تكسير، ويفهم من الجمع بين نصوصه أنه يجوز عنده تصغيره، ولا يجوز تكسيره، والسبب عندي يعود لأمرين: الأول أن التصغير يشبه الترخيم بجامع التقليل، فالترخيم تقليل للفظ المنادى، والتصغير تقليل للمصغر، ولا كراهة في حذف الأصول في الترخيم، فكذلك لم يكرهوا حذف الأصل في التصغير بخلاف الجمع. والثاني أن التصغير لا يوجد بديل عنه كي يفروا إليه، أما جمع التكسير فيوجد له بديل وهو الجمع السالم.
وتوقفت عند عبارة سيبويه (وفرّوا إلى غير ذلك حين أرادوا أن يجمعوا) فما المراد بـ(غير ذلك)؟ ورجعت إلى كتب اللغة فوجدت أنهم أثبتوا لعضرفوط جمعين، عضارف وعضرفوطات، وهذا يعني أن سيبويه يرى أن الخماسي لا يجمع جمع تكسير، وأن العرب تفر منه إلى الجمع بالتاء ، وهذا ما ذكره السيرافي في شرحه لهذا الموضع حيث قال:
( وليس من شأن العرب جمع ما كان على خمسة أحرف أصلية بغير الألف والتاء، لا يكادون يقولون سفارج وفرازد، فإن اضطروا حذفوا الحرف الأخير)
ولم يذكر سيبويه أمثلة على الخماسي المكسّر بخلاف المصغر، وهذا دليل على أنه لا يجيزه في حال السعة، وأن الجمع المعتمد عنده للخماسي هو الجمع السالم إما بالواو والنون كما لو أردت جمع فرزدق فتقول: فرزدقون، وإما بالألف والتاء كما في عضرفوطات.
وقد كنت أرى احتمال أن تكون العبارتان المشكلتان في الكتاب زيادة ألحقت بالمتن قبل أن أطلع على قول المبرد الذي نقله ابن ولاد [3]
 ولكن بعد الوقوف على ما جاء في الانتصار، وعلى نصوص الكتاب الأخرى أرى أنهما من كلام سيبويه، فهل غلط سيبويه في هذا الموضع؟
لا أرى رأي المبرد في أن سيبويه غلط في هذا الموضع، ولكني أرى أن له مذهبا لم يدركه المبرد، أو لا يقبله المبرد، وهو أنه لا يجوّز تكسير الخماسي، وأن ما ورد عنهم لا يعتد به لأنه مخلط ليس له ضابط، فربما جمع بعضهم على غير مفاعل ومفاعيل كالذي رواه الأخفش، فقد ذكر الرضي أن الأخفش سمع سفيرجلة، وذكر أن الأصمعي روى عناكبيت وعنيكبيت، ولذلك لم يخصص في كتابه بابا لتكسير الخماسي، ولم يذكر مثالا واحدا للمكسّر من الخماسي، وهو وإن جعل التصغير والتكسير من واد واحد فقد فرّق في بنات الخمسة بينهما، فكرر كثيرا أنها لا تجمع جمع تكسير، وأنهم يكرهون تكسيرها ولم يذكر أنها لا تصغر، أو يكرهون تصغيرها، والسبب في ذلك ما ذكرت من أن التصغير يشبه الترخيم والترخيم يحذف فيه الأصلي، وكذلك لا خيار لهم في التصغير أن يخرجوا عن فعيعل أو فعيعيل، أما في الجمع فلهم خيار الخروج عن مفاعل ومفاعيل إلى الجمع السالم بالنون أو بالتاء.
ولذلك أرى أن تخرج عبارتا سيبويه على النحو الآتي:
ولو كانت التاء من نفس الحرف لكانت الكلمة خماسية ولما كسّرت ولجمعت بالألف والتاء فقط، وما حذفت التاء في هذا الجمع كما هو معلوم، كما لا تحذف طاء عضرفوط في الجمع بالألف والتاء، الذي ليس لها جمع غيره، فيقال: عضرفوطات لا غير.
فإن قيل : فلم استدل سيبويه بالحذف مع الجمع ما دام أن الاستدلال بالجمع المكسر وحده على مذهبه كاف لإثبات زيادة التاء؟ وهذا هو الإيراد الذي أوردته في البداية على ابن ولاد وقلت: كان عليه الإجابة عنه.
 والجواب عندي أنه لما كان جمع التكسير هو الجمع الذي تحذف فيه الزوائد مما كان على أكثر من أربعة أحرف ، وبه وحده يستدل على اصالة الحروف لا بالجمع السالم صار الحذف عَلَما لهذا الجمع في هذا الباب، فإذا قيل في هذا الباب: لا يحذف، فكأنه قيل لا يجمع هذا الجمع، فاستغنى سيبويه بقوله: لا يحذفون عن : لا يجمعون جمع تكسير .
والفرق بين هذا التوجيه وتوجيه ابن ولاد في مسالة الاستدلال بالجمع أن ابن ولاد لم يجب عما يرد على قوله كما أشرت، ولم يذكر مسالة أن العرب يجمعون بنات الخمسة بالتاء فلذلك لا يحذفون طاء عضرفوط إذا جمعوه على جمعه القياسي الذي لا يجمع الخماسي الأصول إلا عليه ولا يجمع على غيره، ولا اعتداد بما استكرهوا عليه وكسروه فخلطوا فيه.
هذا أقصى ما يمكن أن يوجه عليه المقصود من عبارتي سيبويه، والله أعلم.








[1] النص المشكل (والعنكبوت والتخربوت، لأنهم قالوا: عناكب، وقالوا: العنكباء، فاشتقوا منه ما ذهبت فيه التاء، ولو كانت التاء من نفس الحرف لم تحذفها في الجميع كما لا يحذفون طاء عضرفوط) عرضه الدكتور عبد الرزاق الصاعدي في تويتر وقال في البداية إن النص محرف ثم تراجع بعد مناقشة الأستاذ حسن العمري واقتنعا بتوجيه السيرافي من أن المراد: لا يحذفون طاء عضرفوط إلا على استكراه، ولكني لم أقتنع فكتبت هذا التحقيق.
[2]   ذكر لي الأستاذ عبد الله سعد الحربي في تويتر أن هذا النص أورده الدكتور عبد الرزاق الصاعدي في تغريداته عن هذه المسالة، ولم أكن قد اطلعت على تغريداته تلك.
[3] وكنت ذكرت ذلك للأخ الدكتور سامي الزهراني الذي اتصل بي فيما بعد وقال: وافق قولك قول المبرد في أحد الاحتمالين اللذين ذكرهما عنه ابن ولاد.

الجمعة، 4 يوليو 2014

دليل زيادة التاء في عنكبوت

قال سيبويه في معرض بيانه دليل زيادة التاء في عنكبوت: لأنهم قالوا عناكب، وقالوا العنكباء، فاشتقوا ما ذهبت فيه التاء، ولو كانت التاء من نفس الحرف لم تحذفها في الجميع كما لا يحذفون طاء عضرفوط. (ج  4/316)
قال شيخي محمد عبد الخالق عضيمة رحمه الله في مقدمة كتابه فهارس سيبويه:  هذا النص خطأ بين لا يستقيم مع كلام النحويين البصريين ولا مع ما ذكره سيبويه في مواضع أخرى من كتابه، فالمعروف المسلم به من الجميع أن الخماسي المجرد يحذف خامسه في التصغير والتكسير، وإذا كان معه زائد حذف ايضا فطاء عضرفوط وهي الدابة يجب حذفها في التصغير والتكسير مع الواو الزائدة، وهو محل اتفاق لنحاة البصرة ، وصرح سيبويه بذلك في موضعين... 
ثم قال: لذلك أعتقد أن النص السابق وقع فيه خطأ في الطباعة وأن تصحيحه هكذا: ولو كانت التاء من نفس الحرف حذفتها في الجمع كما يحذفون طاء عضرفوط.
قلت: هذا لا يحل الإشكال، بل يؤدي إلى معنى لا يصح وهو: ليست التاء أصلا لذلك لم تحذف في الجمع، ونحن نعلم أنها حذفت وأن سيبويه جعل حذفها دليلا على زيادتها.
ولم يتعرض السيرافي ولا أبو علي الفارسي لشرح قول سيبويه هذا، ولكن الأول علق على قول لسيبويه عن تصغير عنكبوت ومنجنيق حيث قال سيبويه: ويدلك على زيادة التاء والنون كسر الأسماء للجمع وحذفها، وذلك أنهم لا يكسرون من بنات الخمسة للجمع حتى يحذفوا، لأنهم لو أرادوا ذلك لم يكن من مثال مفاعل ومفاعيل، فكرهو أن يحذفوا حرفا من نفس الحرف، ومن ثم لا يكرون بنات الخمسة إلا أن تستكرههم فيخلطوا، لأنه ليس من كلامهم فهذا دليل على الزوائد.(3/444)
قال السيرافي: استدل سيبويه على زيادة التاء في عنكبوت وتخربوت والنون في منجنيق بأن العرب قد كسرت ذلك، وهم لا يكسرون ما كان على خمسة أحرف أصلية إلا أن تستكرههم ، ومعنى ذلك أن يسألهم سائل فيقول كيف تجمعون فرزدقا وجرحدلا وما أشبه ذلك ، فربما جمعوه على قياس التصغير في مثل سفرجل وفرزدق ، وربما جمعوه بالواو والنون أو غير ذلك ...(الحاشية 2 ج3 / 444)
وقال الجرجاني في شرح التكملة (1036): ولا يجوز أن تكون التاء [في عنكبوت] أصلا ويكون خماسيا كعضرفوط لأن الخماسي لا يكسر إلا على استكراه وعناكب كثيرة في كلامهم.
وبمثل هذا علل ابن يعيش في شرح المفصل. قال: والتاء في عنكبوت زائدة ومثاله فعللوت ملحق بعضرفوط لأنك تقول عنكباء في معنى عنكبوت، وفي الجمع عناكب، فسقوط التاء دليل على زيادتها، فإن قيل ليس في قولهم عناكب دليل على زيادتها لأن الحرف الخامس يحذف في التكسير، نحو قولهم في عضرفوط عضارف، والطاء غير زائدة فالجواب أن العرب لا تكاد تكسر الاسم الذي على خمسة أحرف أصول إلا مستكرهين، فلما قالوا عناكب من غير استكراه دل أن التاء زائدة.(9/ 157 - 158)
قلت : غاية كل هذا أن العرب تكسر عنكبوت من غير استكراه على عناكب فيحذفون التاء وأنهم يكسرون عضرفوط على استكراه فيحذفون الطاء، فدل هذا على زيادة التاء في عنكبوت،  فيبقى الإشكال قائما في قول سيبويه، لأن معناه: لو كانت التاء أصلية لما حذفت في الجمع كما لا تحذف طاء عضرفوط في الجمع.
أعود لموضوع الاستكراه فأقول إن عدم الاستكراه في عناكب وكثرة استعماله ليس مرده إلى أن التاء زائدة وإنما يرجع إلى خفة لفظه وحاجة أهل اللغة لاستعماله، ولو كان مكان الطاء في عضرفوط تاء زائدة لما جعله ذلك غير مستكره بل لبقي قليل الاستعمال لثقل جمعه عضارف، وكذلك لو كان مكان التاء طاء في عنكبوت لبقي جمعه عناكب غير مستكره ولبقي كثير الاستعمال.
قلت: أرى أن نضع كلمة عضروط بدلا من عضرفوط لإزالة الإشكال فطاء عضروط لا تحذف في الجمع، من باب التشبيه بجامع الأصالة، أي : لوكانت التاء أصلية في عنكبوت لما حذفت في الجمع لأصالتها كما لا تحذف طاء عضروط ، كما لو قلت : لو كانت النون أصلية في غضنفر لما حذفت في الجمع كما لا تحذف نون عنتر، ولكن فاتني أن التاء هو الحرف الأخير وأنه يحذف أصليا كان أو زائدا، لذلك لا يصح هذا أيضا، ويبقى الإشكال كما كان،  ويبقى البحث مستمرا لحله.

الأربعاء، 2 يوليو 2014

تعليق الدكتور خالد الغامدي على رد الدكتور عبد الرزاق الصاعدي وعلى قرار مجمعه

 يسرني أن أقدم للقراء ما كتبه إليّ الدكتور خالد الغامدي المتخصص في علم اللغة بعد اطلاعه على ما نشره الدكتور عبد الرزاق الصاعدي من رد على تغريداتي ، قال الدكتور خالد :


" فرغت الآن من قراءة رد الدكتور عبد الرزاق الصاعدي ، وهذا تعليق موجز:

١ - لديه لبس أدى إلى خلط في فهم كلام القدماء والمتأخرين ، فهو لا يفرق فيما يظهر من النصوص الكثيرة التي نقلها عن اللغويين والنحويين من سيبويه إلى الزبيدي بين الورود والفصاحة ، فمجرد الثبوت لا يستلزم الفصاحة ، فضلا عما هو أعلى كالأفصحيّة ، فالقاف البدوية أو المعقودة (ما سموه القيف) ثابتة في لهجات البادية منذ عصر الاستشهاد ، ولكن هل يعني هذا أنها فصيحة فضلا عن كونها فصحى ؟ ومن ثَم يُقعّد لها بين حروف الفصحى ويوضع لها رمز أبجدي خاص بها بين رموز أبجدية الفصحى ؟ هو يرى هذا ، ولكنه خطأ علمي وخلط منهجي . يصح علميا أن يوضع لأي صوت فرعي أو صفة صوتية معينة رمز صوتي خاص لأجل الدرس الوصفي ، وهذا  معروف بين علماء الأصوات في كل اللغات ، لكن لا يصح منهجيا الخلط بين رموز الكتابة الصوتية ورموز الكتابة الأبجدية . 

٢ - تناقَض حين استشهد بهذه النقول على صحة موقفه ( الذي هو الترميز الأبجدي لهذا الصوت ) ؛ فالنصوص التي نقلها منذ سيبويه إلى الزبيدي واليوسي ( ١١٠٢هـ ) مجمعة على عدم فصاحة هذا الصوت وأنه من الأصوات المستقبحة في القرآن والشعر ، فهي عليه لا له ، فعلى ماذا يستشهد بها ؟! أعلى مجرد الورود ؟ هذا لا يعني الفصاحة كما هو معلوم ، وهو خلاف مقصودهم وتحريف لكلامهم . أم يستشهد بها على الفصاحة ؟ هذا قلبٌ لنصوصهم إلى عكس مقصودهم ! أم على الجواز لأهل هذه اللهجة قديما وحديثا في غير القرآن والفصيح من الكلام الأدبي وغير الأدبي ( إلا للضرورة ، وسأعقب على استشهاده بكلام الإسنوي ) ؟ هذا لا يُحتاج فيه إلى هذه النقول ، لأن كل لهجة غير فصيحة يجوز لأهلها أن ينطقوا بها في كلامهم ، قديما وحديثا ، دون أن يعني هذا أن مجرد نطقهم بها - حتى لو كان في زمن الاحتجاج - يعني الفصاحة بَلْهَ الأفصحية !

٣ - قول الفيروزآبادي فيما نقله ابن الطيّب عن ابن حجر حينما سأله عن هذا الصوت : " إنها لغة صحيحة " يخالف ظاهرُه إجماعَ القدماء على عدم فصاحة هذا الصوت في القرآن والمستوى البليغ من الكلام الأدبي ، لكن يحتمل تأويله بأنه يقصد بالصحة صحة الثبوت والورود لا فصاحة الاستعمال ، وإنْ قصد ذلك فهو مخالف للإجماع .

٤ - في نقله عن الإسنوي تدليس ! إذْ بتر النص بنقله منه ما يؤيد كلامه وحذفه الباقي الذي يخالفه ! فقد وقف بالنقل عن الإسنوي من الكوكب الدري على آخر قوله : " ونقله النووي في شرح المهذب عن الروياني " . وتمام النص من كتاب الكوكب الدري ما يلي (ص 604 ت عبدالرزاق السعدي ، ط الثانية ، مزيدة ومنقحة ، ١٤٣٢هـ ، دار الأنبار) : " ثم قال [ أي النووي في المجموع شرح المهذب ] : وفيه نظر . ومالَ المحبُّ الطبري في شرح التنبيه إلى البطلان . لكن اللحن الذي في الفاتحة لا يمنع الصحة إذا كان لا يختل المعنى كما جزم به الرافعي ، وإن كان حراما كما قاله النووي في شرح المهذب ، وحكى فيه وجهًا أن الصلاة لا تصح أيضا . وحينئذ فالصحة في أمثال هذه الأمور لأجل وروده في اللغة ،  وبقاء الكلمة على مدلولها أظهر ، بخلاف الإتيان بالدال المهملة في " الذين " عوضًا عن المعجمة ؛ فإن إطلاق الرافعي وغيره يقتضي البطلان وأنه لا يأتي [ كذا في المطبوع ، ولعله : يتأتّى ] فيه الخلاف في الضاد مع الظاء ، وسببه عسر التمييز في المخرج " . انتهى من الكوكب الدري . 

ففي هذا النص أمور : 

أ - قول الإسنوي الشافعي القرشي : " وهي قاف العرب " يقصد العرب المعاصرين له من أهل البوادي والأمصار تمييزا لهم عن غيرهم من المستعربين وأهل الأمصار من ذوي الأصول غير العربية . وكذلك ابن خلدون حينما يقول : " العرب " أو : " أهل الجيل من العرب " يقصد هذا المعنى ، ويبدو أن الصاعدي لم يفهم مقصودهم .

ب - هذه المسألة الفرعية ذكرها الإسنوى في سياق الحديث عن اللحن حينما يستعمل في العبادة ، كاللحن في الفاتحة كما تحدث ونقل عن فقهاء الشافعية ، فهو وغيره من الفقهاء الذين نقل عنهم ( المقدسي والروياني وابن الرفعة والنووي والرافعي ) يحكمون بأن هذا الصوت لحن في اللغة الفصيحة ، ويحكمون كذلك بعدم جواز قراءة القرآن به لمن يستطيع ، ولكن الخلاف الفقهي يتعلق بالصحة الشرعية في الصلاة : هل تصح الصلاة به أو لا تصح ؟ هذا محل الخلاف في النص الذي اطلع عليه الصاعدي ونقله مبتورا ، ولعله لم يفهمه ولم يقصد التدليس .

ج - النووي حرم القراءة بهذا الصوت في الصلاة ، وحكى فيه قولا بعدم صحة الصلاة ، وبين في المجموع وجه النظر في صحة الصلاة مع الكراهة (على القول الآخر) بأن القارئ لم يأت بالحرف كما هو ، بل أتى بالقاف مترددا بين حرفين ، فكيف يُتصور مع هذا التشديد الذي أظهروه أنهم يصفون هذا الصوت بأنه عربي فصيح كما أوهم نقل الصاعدي ؟!

ه - في نقله بيت العجوز الأعرابية عن اليوسي خطأ ؛ إذ أعربه ظنا منه أنه شِعْر بالفصحى ، والواقع أنه بيت من الشعر النبطي سمعه الدلائي الذي عاش في القرن الثاني عشر الهجري من المرأة البدوية في إحدى بلاد الحجاز ، فكتبه الصاعدي هكذا : 

حجّ الحجيجُ وناقتي معگولةٌ
يا ربّ يا مولايَ حلّ عگالها

فأعرب كلمتي " الحجيج " و " معگولة " وكذلك نصب الياء في " مولايَ " ظانا أن العجوز نطقت البيت بالفصحى المعربة ! وهيهات ، فالعجوز بدوية عامية عاشت قبل قرابة ثلاثة قرون ونيف حسب ما تقول الحكاية ، ولذا فالمفترض أنها سكنت هذه الكلمات : الحجيجْ ، معقولةْ ، مولايْ . ثم ماذا عن القاف في " ناقتي " ؟ هل نسي اليوسي أن يرسمها برمز القاف البدوية أم أن العجوز لم تقفقفها (كما يعبر الدكتور الصاعدي ) ؟!

هناك ملحوظات أخرى على كلامه ، ولكن هذا يكفي في بيان أن كل جهده وحماسه في هذه القضية لا طائل تحته ، واستشهاداته بنصوص اللغويين والنحاة لا تخدم هدفه وهو الاعتداد بفصاحة هذا الصوت ومن ثم الترميز له بشكل مستقل بين رموز أبجدية العربية الفصحى ، فهذا أمر مرفوض من القدماء والمتأخرين جميعا ، لأنه يسيء إلى العربية الفصحى ولا يخدمها خلاف ما توهم الدكتور الصاعدي الذي نحسب أنه أراد الخير للفصحى ولكن لم يحالفه التوفيق ، وعلى كلٍ يُحسب له تحريك الساحة بالتفكير والحوار ، وهو أمر مفيد للفكر والثقافة " .


وكان الدكتور خالد قد اطلع قبل هذا على قرار المجمع وكتب هذا التعليق :


" في نقاشهم وقرارهم خلْطٌ بين الصوت والحرف ؛ فالصوت الواقع بين القاف والكاف الذي ذكره القدماء واستشهدوا له بقول الشاعر : ولا أگول لگدر الگوم ...إلخ هو صوت ينتمي إلى حرف القاف / ق / ؛ أي ما يسمى في الصوتيات الحديثة : " تنوع صوتي " أو : " متغيِّر صوتي " allophone ، أما الصوت الأساس وهو المسمى حرفا فهو القاف ، والصوت الأساس في الصوتيات الحديثة هو الفونيم phoneme وترجمه بعضهم بالصوت المجرد ، وبعضهم قال: صوتيم ، والأولى في نظري ترجمته بالحرف ، فالحرف ( الفونيم ) صوتٌ أساسٌ يشمل تنوّعين صوتيين على الأقل ، كما يشمل حرف القاف مثلا التنوعات ( الألوفونات ) التالية : 

١ - القاف الفصحى المشهورة اللهوية .
 ٢ - والقاف التي بين القاف والكاف ، وهي التي سموها " القيف " .
3 ـ وقافٌ أخرى بين القاف والكاف ، تنطق كافا مفخمة ، وهي بعض اللهجات المعاصرة ، في جزيرة العرب ومصر وغيرها .
4- والقاف التي تنطق همزة كما في اللهجة المصرية .
5- والقاف التي تنطق غينا كما في اللهجة الكويتية .

فهذا الصوت الذي ناقشوه مجرد تنوع صوتي داخل حرف القاف ، فلا يصح والحالة هذه وضع رمز أبجدي له بين الحروف الأبجدية الأساسية ، وإلا لزمهم وضع رموز لكل أصوات الحروف ، وستبلغ حينئذ العشرات !! وهذا خلط في المفاهيم وخلل في المنهج وعبث في الطرح !! 
نعم يمكن وضع رموز لأصوات الحروف ( ألوفونات الفونيمات ) لكن على أنها رموز صوتية للألوفونات لغرض الدراسة الوصفية كما يفعل كل علماء الأصوات ، لا على أنها رموز للأبجدية للتعبير عن الحروف ( الفونيمات ) كما فعلوا .

وفي قرارهم اضطراب في المصطلحات ؛ فمرة سموه صوتا ومرة سموه حرفا ، مما يدل على أنهم لم يدركوا الفرق بين الأمرين . كذلك حينما نقلوا عن القدماء قولهم : " الأصوات الفروع " ( ذكره سيبويه وابن جني وغيرهما ) ؛ فالفروع يقصدون بها ما يسمى الآن " التنوعات الصوتية " (ألوفونات) ، وقسموها : مستحسنة ومستقبحة ؛ فالفروع تقابل الأصول كما هو معلوم ، فكيف يضعون للفرع رمزا خاصا بين رموز الأصول وكأنه مستقل ؟!

الخلاصة : إن التنوع الصوتي الذي قرروا بشأنه ما قرروا هو ألوفون لهجي ضمن فونيم / ق / ، وله رمزه الصوتي الخاص في الدرس الصوتي ، أما في أبجدية أصوات العربية الفصحى فلا يصح وضع رموز للألوفونات ( الأصوات ) بين رموز الفونيمات ( الحروف ) المعروفة ، لا گ ولا الرمز الذي وضعوه للقاف البدوية ولا غيرهما ، لأن لهذا عواقب خطيرة كما هو معلوم لدى كل ذي علم ووعي .


الجمعة، 27 يونيو 2014

الرد على الدكتور عبد الرزاق الصاعدي أستاذ اللغويات في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان، أما بعد فقد كنت نشرت تغريدات موجزة عن صوت من الأصوات التي ذكرها ابن دريد في مقدمة الجمهرة ضمن الأصوات التي لا تتكلم بها العرب إلا اضطرارا، وهو الصوت الذي وصفه بأنه بين القاف والكاف، وأنه معروف في بني تميم، وذكرت أن سيبويه لم يذكر هذا الصوت في كتابه وأن ابن فارس ذكره في باب اللغات المذمومة، وأن في وصف ابن دريد اضطرابا لا يصح عنه، وأن ابن خلدون حار في أمره وأمر القاف الفصيحة، لذلك لا يمكن القطع بأن ذلك الصوت نفسه هو القاف في بعض العاميات الحالية، ولو سلمنا أنه هو فلا يصح إلحاقه بأصوات العربية لا المستحسنة منها ولا المستقبحة، لأنه لم يذكره سيبويه أو من عاش في عصر سيبويه، وإنما ذكره من جاء بعده بحوالي قرنين فلا يعتد بما ذكروه لأن ذكرهم له كان تسجيلا لصوت عامي في عصرهم.
وقد أثارت هذه التغريدات ثائرة رئيس ما يسمى بمجمع اللغة الافتراضي الدكتور عبد الرزاق الصاعدي الذي اخترع للقاف العامية اسم القيف، فرد علي بتغريدات مسيئة لم أشأ الرد عليها لأنها كانت تهكمات وادعاءات عارية عن الأدلة.
ثم أتبع ذلك بنشر مقال طويل في مدونة مجمعه، جمع فيه بين السخرية والتخليط وما لا فائدة فيه، وقد قيل: من أكثر أهجر، والمكثار كحاطب الليل.
وعندما قرأته وجدت أن القارص قد عدا فحزر، ورأيت أن بجيرا عيّر بجره ونسي خبره ، فكتبت هذه الردود لأبيّن وجه الحقّ كما يبيّن الصبحُ الطريق لذي عينين.
وسأتبع فيها أسلوب (قال وقال) فأذكر اسمه وأتبعه بكلامه بنسخه من موقعه ولصقه هنا، فإن وجد فيه قلق فليس مني،  وأذكر اسمي متبوعا بردي، وأبدأ مستعينا بالله.


1-    قال عبد الرزاق:"  ثم ألمح إلى اتهامنا بالكذب على ابن قتيبة؛ لأنه لم يجد قولاً له في هذا الصوت"

قال بهاء الدين: قلت في تغريدتي (أما ابن قتيبة فلم أعثر على قول له فيه ) وليس في قولي هذا أي إلماح إلى الاتهام بالكذب، حتى عندما قلتُ: لم يذكره سيبويه هذا الصوت في كتابه لم أتهمك بالكذب، وإنما طلبت أن تثبت ما ذكرته في قرار مجمعك أن سيبويه وصف هذا الصوت، وسيأتي الحديث عن كلام ابن قتيبة مفصلا إن شاء الله.

2-    قال عبد الرزاق: "  وأما ما ذكره ابن دريد فيه فما هو عند الدكتور بهاء إلا تخليط من أثر الشراب الذي عرف عنه"
قال بهاء الدين: هذا من باب (أساء سمعا فأساء جابة) فإنك لم تفهم نص تغريدتي وصرت تدندن بأني أرجعت تخليط ابن دريد إلى أثر الشراب، لذلك سأعرض نص تغريدتي ثم أعلق عليها ، قلت في التغريدة:" هذا النص لو صح عن ابن دريد دل عندي على تخليط من أثر الشراب الذي كان يلازمه على ما حكاه الأزهري"
فأنت ترى أني علقت الجواب بشرط (لو) ، ومعلوم أن شرط (لو) ممتنع في كل الأحوال، فالمقصود أنه لا يصح هذا عن ابن دريد، ولا أقصد بقولي (هذا النص) ما يتعلق بالصوت محل الخلاف فقط ،ولكني اقصد نصه عن وصف الحروف التي ذكر أن العرب تضطر أن تتكلم بها بحسب زعمه .
ثم قلت في تغريدة أخرى: " إن صح النص عنهم فهو خلط وقد يكون في النص سقط فيكون كلامهما (أي ابن دريد وابن فارس الذي نقل عنه) ككلام السيرافي، أي تكون العبارة:" يلفظون الحرف الذي بين القاف والكاف شبيها بالكاف بين الكاف والجيم"

3-    قال عبد الرزاق: ”  ثم ذكر الدكتور عدة تغريدات يجزم فيها أن سيبويه لم يذكر هذا الصوت، فلما وقف على كلام السيرافي اضطرب، وخفتتْ نبرتُه قليلا، وتوقّعتُ أنه سيفهم كلام سيبويه بواسطة شرح السيرافي، وأنه سيرجع عن الخطأ لا محالة، لكنه أخلف ظنّي ومضى في طريقه السابق لا يلوي على شيء، والرجوع عند بعض الناس عار وخطيئة، والمكابرة أهون من الرجوع، فمضى وانتهى إلى حكم...”

قال بهاء الدين : ما زلت أجزم أن سيبويه لم يذكر الصوت الذي بين القاف والكاف، وأن هذا الصوت الذي ذكره ابن دريد وغيره يختلف عن الصوت الذي ذكره سيبويه بين الكاف والجيم أو بين الجيم والكاف، وأنك أخطأت في فهم كلام سيبويه وكلام السيرافي، وسيأتي تفصيل ذلك إن شاء الله.
أما حكمك علي بأن أخطأت واتهامك لي بالمكابرة وعدم الرجوع عن الخطأ فادعاء باطل، وقدح في المنهج العلمي الذي ينبغي أن تلتزم به، وقد تكرر هذا منك فصار سمة من سمات شخصيتك، وسأشير إليه في موضعه إن شاء الله.

4-    قال عبد الرزاق: ”  يبدو من كلام الدكتور بهاء الدين واندفاعه وادعائه ما تقدّم أن العلة في تقصيره في فهم نصوص القدماء تعود إلى اضطرابه فهم صوت القيف، فظهر لي أنه لا يعرف حقيقته! ولم يدرك أن الصوت الذي بين الجيم والكاف والصوت الذي بين الكاف والجيم والصوت الذي بين القاف والكاف المنصوص عليه في كتب عدد من الأقدمين هو صوت واحد: هو القيف، فهو صوت فرعي في العربية لثلاثة أصوات أصلية متقاربة المخرج، وهي: الجيم والكاف والقاف"

قال بهاء الدين: مرة أخرى تحيد عن الالتزام بالمنهج العلمي وتحكم بلا دليل أني مقصر في فهم نصوص القدماء ومضطرب في فهم الصوت محل النزاع، وأني لا أعرف حقيقته. وهذا لا يليق بك وأنت تتولى منصبا تعليميا مهما.
وأقول: أنت تخلط بين صوتين أشار إليهما القدماء وهما الصوت الذي بين القاف والكاف، والصوت الذي بين الجيم والكاف أو الكاف والجيم، فهما صوتان مختلفان في المخرج وفي الصفة وإن كانا متقاربين وسيأتي تفصيل ذلك بالأدلة لأكشف خطأك وخلطك إن شاء الله.

5-    قال عبد الرزاق:" . وسيبويه نصَّ على صوت القيف فرعا للجيم والكاف، ولكن لم يذكره فرعا للقاف، وإن كان كلامه في الكاف الفارسية يُشعر بذلك.

قال بهاء الدين: العبارة الدقيقة أن تقول: ذكر سيبويه الحرف الفرعي الذي بين الكاف والجيم ولم يذكر الصوت الذي بين القاف والكاف.
فإن كان الصوتان في نظرك صوتا واحدا فهو خطأ منك، فلا تنسب إلى سيبويه شيئا لم يقله في الحقيقة، فلا يجوز في المنهج العلمي الخلط بين ما هو حقيقة وواقع وما هو مجرد خيال في ذهن صاحبه، وسأبين خطأك بالأدلة إن شاء الله.

6-    قال عبد الرزاق: " وقد استدركه السيرافي في شرح الكتاب ونَصَّ على أنَّه هو الصوت الذي ذكره سيبويه في الجيم والكاف، وقد سمعه بنفسه من ناطقيه"

قال بهاء الدين: إذا كان السيرافي قد استدركه فهذا يعني أن سيبويه لم يذكره، وقد سبق أن ذكرتَ أن سيبويه ذكره، لذلك يجب أن تحرر عبارتك فتقول: الصوت الذي بين القاف والكاف لم يذكره سيبويه واستدركه السيرافي. أما قولك (ونص على أنه هو الصوت الذي ذكره في الجيم الكاف) فغير صحيح وفيه تحريف لكلام السيرافي. قال السيرافي في معرض بيانه أن الحروف المستقبحة أكثر مما ذكره سيبويه:
(ورأينا من يتكلم بالقاف بين القاف والكاف، فيأتي بمثل لفظ الكاف التي بين الجيم والكاف، والجيم التي كالكاف) انتهى كلامه.
ومعنى هذا أن هذا الصوت الذي بين القاف والكاف يشبه الكاف التي بين الكاف والجيم، أو الجيم التي كالكاف، لأن تقدير كلامه: فيأتي بلفظ مثل لفظ كذا، ولم يقل: إنهما صوت واحد، لأنه يستحيل أن يتطابق الصوتان مع اختلاف مخرجيهما، ولو أراد أن يجعلهما صوتا واحدا لقال: ورأينا من يتكلم بالقاف بين القاف والكاف، فيأتي بالكاف التي بين الجيم والكاف.

7-     قال عبد الرزاق: " .. فالقيف إذن صوت ينشأ بثلاثة طرق:
1-     الصوت الذي بين الجيم والكاف، ومثاله: گمل ورگل .. في جمل ورجل، وهو القيف
2- الصوت الذي بين الكاف والجيم، ولم يمثلوا له....
وقد ذكر السيرافي أن هذين الوجهين (الأول والثاني) شيء واحد...

2-     الصوت الذي بين القاف والكاف.... ومثّل له ابن دريد ببيت التميمي ( لا أگول لگدر الگوم)

 قال بهاء الدين: لي مع هذا النص وقفات:
 الوقفة الأولى: أنك نسيت نص قرار مجمعك القيفي العاشر لذلك أذكرك به، لتقرأه من جديد وإليك نصه :
(يرى مجمع اللغة الافتراضي أن الصوت الواقع بين القاف والكاف الذي جرى على ألسنة أقوامٍ كُثُر من العرب قديماً وحديثاً ووصفه ابن قتيبة وابن دريد وابن فارس وابن خلدون يستحق أن يسمى: (صوت القَيْف) .....  كما يرى المجمع أن الأصل في هذا الصوت هو القاف الفصحى)
 فقيفك المخترع هو الصوت الواقع بين القاف والكاف، وأن أصله القاف، وليس في قرار مجمعك أن القيف هو الصوت الواقع بين الكاف والجيم الذي أصله الجيم أو أصله الكاف.
لذلك عليك أن تحرر وصف قيفك المخترع بدقة.
الوقفة الثانية: أنه يستحيل عقلا أن يكون للصوت الواحد مخرجان مختلفان، كما يستحيل ذلك أداء ونطقا.
الوقفة الثالثة أن القدماء فرقوا بين الصوتين: الصوت الذي بين القاف والكاف، والصوت الذي بين الكاف والجيم، وإليك الأدلة:
الأول أن ابن دريد عندما ذكر الحرف الذي بين القاف والكاف والكاف والجيم – على غرابة وصفه- مثل له بجمل قال ابن دريد: وهي لغة سائرة في اليمن مثل (جمل) إذا اضطروا إليه قالوا (گمل) بين الجيم والكاف.
وعندما ذكر القاف التميمية قال: فأما بنو تميم فإنهم يلحقون القاف بالكاف فتغلظ جدا فيقولون (الگوم) يريدون القوم، فتكون بين الكاف والقاف.
فأنت ترى أنه جعل أحد الصوتين بين الكاف والجيم وأصله الجيم، وجعل الثاني بين الكاف والقاف وأصله القاف.
والثاني أن ابن فارس الذي نقل عن ابن دريد وإن كان نقله يختلف قليلا عما في الجمهرة فرق بين الصوتين كما فعل ابن دريد، فالجيم في (جمل) في اللغة اليمنية التي أشار إليها ابن دريد تنطق بين الكاف والجيم، أما القاف التميمية فتكون بين القاف والكاف.
والثالث أن السيرافي الذي استدرك على سيبويه الصوت الذي بين القاف والكاف فرّق بينه وبين الجيم التي بين الكاف والجيم عندما قال:(ورأينا من يتكلم بالقاف بين القاف والكاف فيأتي بمثل لفظ الكاف التي بين الجيم والكاف، والجيم التي كالكاف) فالصوتان متشابهان لكنهما ليسا صوتا واحدا، كما بينت سابقا في شرح عبارة السيرافي، ولو كان الصوتان صوتا واحدا لما جاء به السيرافي في معرض الاستدراك، ولاكتفى بأن يقول عند ذكر سيبويه للكاف التي بين الجيم والكاف: ورأينا من يجعل القاف كافا بين الجيم والكاف أو : ورأينا من يتكلم بالقاف بين الجيم والكاف.
فكلام السيرافي واضح وصريح، ولكن على عكس ما فهمت أنت، فلم يبلغ به الأمر أن يتصور وجود صوت واحد ذي مخرجين مختلفين.
الوقفة الرابعة: أنه لو سلمنا أن الصوت الذي اخترعت تسميته فدعوته (القيف) هو نفسه القاف التي بين القاف والكاف ، وهو نفسه الجيم التي بين الكاف والجيم، وهو نفسه الكاف التي بين الكاف والجيم، لو سلمنا بهذا التناقض وهذه الاستحالة فكيف تجعل للحروف الثلاثة رمزا كتابيا واحدا هو ذاك الرمز المخترع العجيب؟ إن ذلك لا يصح إلا إذا جعلته رمزا كتابيا خاصا بك وببحوثك الصوتية.
8-    قال عبد الرزاق: ( وفي كلام سيبويه نقص، والأكمل ما ذكره ابن دريد ومن أخذ عنه) وقال أيضا ( وابن دريد وتلميذه السيرافي كانا أدقّ من سيبويه)
قال بهاء الدين: لا نقص في كلام سيبويه فهو لم يسمع من العرب ولا من شيوخه القاف التي بين القاف والكاف، ولو سمعها واعتد بها لذكرها، فلا تفسير لهذا إلا بأحد أمرين إما أنه لم يسمعها من العرب ولا من شيوخه أو أنه سمعها من العرب ورآها دون الحروف المستقبحة فأهملها، وأرجح الأول لما عرف عنه رحمه الله من دقة واستقصاء، فهذه القاف التي يتحدث عنها ابن دريد لم تكن قد انتشرت بين العرب في عهد سيبويه .
ولم يبلغ السيرافي ولا أستاذه ابن دريد عشر ما آتى الله سيبويه من الدقة والتحقيق في فقه اللغة نحوا وصرفا وأصواتا.
9-    قال عبد الرزاق: ( فأنت حين تسمع مصطلح الجيم اليمنية أو المصرية أو القاف التميمية تعلم أنهما شيء واحد في الصوت، الأولى بين الجيم والكاف والثانية بين القاف والكاف، وكلاهما ينطق بصوت القيف بعينه)
قال بهاء الدين: كلام عجيب غريب كيف يدل سماع المصطلح على وحدة الصوت؟ ثم كيف ينطق ما يخرج من بين القاف والكاف كالخارج مما بين الكاف والجيم؟ إن القاف العامية التي اخترعت لها اسم القيف مخرجها مخرج الكاف لكنها مجهورة والكاف مهموسة، لأنه مثل (g) الإنكليزية، فهي من مخرج (k) ولكن الأولى مجهورة،  وأما الجيم اليمانية فهي إلى مخرج الجيم أقرب وليس فيها من التفخيم الذي نجده في القاف العامية في نجد وغيرها ...وكان عليك أن تجري تجارب في المعامل الصوتية لئلا تقع في مثل هذه التناقضات.

10-                 قال عبد الرزاق:  أما قول الدكتور بهاء إنه لم يطلع على قولٍ لابن قتيبة في هذا الصوت فما هو إلا من قلّة الاطلاع مع وجود الكتاب مطبوعا محققا متداولا بتحقيق نفيس هو تحقيق السيد أحمد صقر، ولا أعرف طالب علم مبتدئ في العربية يجهل هذا الكتاب النفيس.

قال بهاء الدين: تنقص شخص المحاور أسلوبُ مَنْ وهت حجته، ولا يليق بمن يبحث عن الحق ملتزما بالمنهج العلمي، وإتيانك بنص ابن قتيبة ذكرني بقولهم في المثل : سقط العَشاء به على سرحان.
إنك لو فهمت معنى قول ابن قتيبة لرميت بقيفك في عرض البحر وتبرأت من الدعوة إلى إدخاله في أصوات العربية، فهو يرى أن الحرف الذي بين القاف والكاف ليس من حروف العربية، وإنما هو من حروف الأعاجم، وسأشرح لك النص الذي أوردتَه أنت، قال ابن قتيبة:  (وألفاظ العرب مبنية على ثمانية وعشرين حرفا، وهي أقصى طوق اللّسان. وألفاظ جميع الأمم قاصرة عن ثمانية وعشرين ولست واجدا في شيء من كلامهم حرفا ليس في حرفنا إلا معدولا عن مخرجه شيئا، مثل الحرف المتوسط مخرجي القاف والكاف والحرف المتوسط مخرجي الفاء والباء)
فمعنى كلامه أن حروف العربية هي أقصى ما يحتمله جهاز النطق في الإنسان، فلا يوجد لدى العجم حرف لا يوجد عند العرب، فإن وجدت حرفا عند العجم غير موجود عند العرب _كالحرف الذي بين القاف والكاف والحرف الذي بين الباء والفاء _ فأصل ذلك الحرف عربي، لكنه عدل به عن مخرجه عند العجم، فابن قتيبة يرى أن الحرف الذي بين القاف والكاف وكذلك الحرف الذي بين الباء والفاء حرفان أعجميان أصل كل واحد منهما موجود في العربية، فهو لا يتكلم عن استعمال العرب لهذه الحروف، وإنما يريد أن يبين أن الحروف الأعجمية التي لا توجد في الحروف العربية أصولها عربية  لكن العجم عدلوا بها عن مخارجها.
11-                 قال عبد الرزاق ( ثم رأيت له تغريدة نصها: ((هل يتصور أن يكون مخرج أي حرف من مخرجين؟ كقول ابن دريد الحرف الذي بين القاف والكاف والكاف والجيم؟ وقال ابن فارس بين القاف والكاف والجيم)) فعلمت مراد الدكتور بالتخليط، وأيقنت أن التخليط لا يأتي من الشراب فحسب!!
قال بهاء الدين : عجبت ممن يستقيم في منطقه الجمع بين المتناقضات كيف يجرؤ على عرضها على الملأ !
سبق أن بينت أنك لم تفهم تغريدتي، ولأنك لم تفهمها نسبت إلي ما لم أقله، فلم أقل إن هذا تخليط من ابن دريد وإنما علقت ذلك بـ(لو صح هذا عنه) وشرط (لو) ممتنع كما ذكرت، ثم إن التخليط ليس في هذا الموضع فقط، وإنما في حديثه عن الياء التي تبدل جيما أيضا، فكلامه على ما هو في الجمهرة لا يصح عنه.
لكني أوافقك أن التخليط لا يأتي من الشراب فحسب، فكلامك هذا صائب، وكما قيل: مع الخواطي سهم صائب، وها أنت ذا تقر بأن ما في الجمهرة صحيح ودقيق .

12-                  قال عبد الرزاق:  فأين التخليط المزعوم يا دكتور بهاء؟ ألا تلاحظ دقة ابن دريد في وصف هذا الحرف وسائر الحروف التي ذكرها وحسن تمثيله ومتابعة العلماء له كالسيرافي وابن فارس؟ وألم تر أن  كل ما ذكره ابن دريد هو مما نعرفه اليوم في لهجاتنا في الجزيرة؟ لقد أحسن ابن دريد حين قال: ((الحرف الذي بين القاف والكاف والجيم والكاف))

قال بهاء الدين: كلام ابن دريد على هذا الوجه فيه تخليط، ونقل ابن فارس عنه (بين القاف والكاف والجيم) أيضا لا يصح ، ووصف ابن خلدون للكاف الفارسية أيضا (بين القاف والكاف والجيم) لا يصح، لما ذكرت من امتناع أن يكون للصوت الواحد مخرجان، فالكاف الفارسية كاف مجهورة فهي من مخرج الكاف مع الجهر، ومخرج القاف قبل مخرج الكاف من جهة اللهاة، ومخرج الجيم أدنى من مخرج الكاف إلى جهة الأسنان  فكيف يخرج حرف من بين هذه المخارج الثلاث، فهو إما أن يكون بين الكاف والجيم، وإما أن يكون بين القاف والكاف.
والذي يدقق في صفة الجيم اليمانية ويوازنها بالقاف في اللهجة العامية في نجد يلحظ الفرق فأثر الجيم واضح في اليمانية وأثر الجيم معدوم في القاف العامية.
وقد كان كلام السيرافي واضحا في التفريق بين الصوتين كما أوضحت، لذلك تستقيم عبارة ابن دريد لو جبرنا النقص فيها لتصير العبارة (ومثل الحَرف الَذي بين القاف والكاف والحرف الذي بين الكاف والجيم، ... مثل جمل إِذا اضطروا قالوا: گمل، بين الجيم والكاف ..) فذكر مثالا للحرف الثاني أولاً، وأخّر مثال الحرف الأول إلى أن قال: فأما بنو تميم فإنهم يلحقون القاف بالكاف فتغلظ جدا، فيقولون للقوم: الگوم، فتكون القاف بين الكاف والقاف. على عكس أسلوب اللف والنشر.
على هذا يصح، أما أن يكون الصوتان صوتا واحدا فمحال.

ثم أطال الدكتور عبد الرزاق في إيراد أقوال من ذكروا القاف التي بين القاف والكاف. ولا اعتداد بما ذكره المتأخرون فإنهم كانوا يصفون صوتا لهجيا في عصرهم.
 أما المتقدمون فإن سيبويه لم يذكره، وسبب عدم ذكره أنه لم يسمعه، أو سمعه واستبعده، ولم يشأ حتى أن يجعله في الحروف المستقبحة التي ذكرها، ومن أتى من بعد سيبويه وذكر هذا الحرف ذكره على أنه من اللغات المستقبحة التي لا يجوز استعمالها، فهي مذمومة مرذولة، وقد قال السيرافي عنها: وأظن الذين تكلموا بهذه الأحرف المسترذلة من العرب خالطوا العجم فأخذوا من لغتهم، ويؤيد هذا ما ذكره أبو عبيد البكري في فصل المقال (39) أن الفارسية ودين الفرس كان فاشيا في بني تميم، لذلك سمى العنبر بن عمرو بن تميم ابنته الهيجمانة، ومعناها الدرة بالفارسية، كما ذكره أبو عبيد ، وكذلك سمى لقيط بن زرارة ابنته دختنوس. قلت: وقصة رهن حاجب بن زرارة قوسه لدى كسرى ليأذن لبني تميم دخول ريف العراق مشهورة.
وقال السيرافي أيضا بعد أن ذكر الجيم التي تلفظ بين الكاف والجيم عند أهل اليمن وبغداد قال: وهي عند أهل المعرفة منهم معيبة مرذولة، فكيف تدعو يا دكتور عبد الرزاق  لتأصيل ما هو معيب مرذول؟
فهذه الأصوات مما استقبحته العرب وتجنبته في كلامها الفصيح، والدعوة إلى استعمالها ووضع رموز كتابية لها لِتتساوى مع الحروف الفصيحة أيضا دعوة مستقبحة .
بقي أن أذكر أمرا مهما يتعلق بالقاف المعقودة التي ذكرها أبو حيان في ارتشاف الضرب، ولا أعلم من استعمل صفة العقد للقاف قبل أبي حيان إلا ابن عربي في الفتوحات المكية، ولا يعني هذا أن ابن عربي أول من استعمل هذه الصفة مع أن كلام أبي حيان يوهم أن السيرافي استعملها، لكني لم أجدها في كلام السيرافي في شرحه للكتاب ذاك الذي نقله أبو حيان.
ومفهوم العقد عند ابن عربي على النقيض مما ذكره أبو حيان، فالقاف المعقودة عنده هي الفصيحة ، والقاف غير المعقودة هي التي بين القاف والكاف، وقد ذكر ذلك مستوفى صاحب المطالع النصرية ، وذكر أيضا خطأ كلام محشّي القاموس عند حديثه عن الجلنار، فقال صاحب المطالع عند حديثه عن الكاف الفارسية في الگلنار:
" وليست هي القاف المعقودة وإن ادعى مُحشِّى القاموس أنها هي - كما يؤُخذ من كلام ابن خلدون- فإِن الذي يفهم من كلام الشيخ الأكبر أن القاف المعقودة هي القاف الحقيقية، وأن التي بَيْنَ بَيْنَ هي غير المعقودة التي ذكرها الفقهاء في قولهم في شروط الفاتحة: "لو نطق بالقاف مترددة بين القاف والكاف أو الجيم .. إِلخ" وعبارة "الفتوحات المكية" في الصفحة "752" من الباب"295" من الجزء الثاني:
"وأما القاف التي هي غير معقودة فهي حرف بين حرفين بين الكاف والقاف المعقودة، ما هي كافٌ خالصة، ولا قافٌ خالصة، ولهذا ينكرها أهل اللسان، فأما شيوخنا في القراءة فإِنهم لا يعقدون القاف، ويزعمون أنهم هكذا أخذوها عن شيوخهم، وشيوخهم عن شيوخهم في الأداء، إِلى أن وصلوا إِلى العرب أهل ذلك اللسان، وهم الصحابة اِلى النبي - صلى الله عليه وسلم - كل ذلك أداء، وأما العرب الذين لقيناهم ممن بَقِيَ على لسانه ما تغير- كبنى فَهْم- فإِنى رأيتهم يَعْقِدون القاف، وهكذا جميع العرب. فما أدري من أين دخل على أصحابنا ببلاد المغرب تركُ عَقْدِها في القرآن؟ " انتهى كلام الشيخ الأكبر في الفتوحات (المطالع 217-218)
قلت : ربما انتشر المفهوم المخطئ للقاف المعقودة بسبب قراءة مخطئة لعبارة ابن عربي: (وأما القاف التي هى غير معقودة فهي حرف بين حرفين: بين الكاف والقاف المعقودة، ما هى كافٌ خالصة، ولا قافٌ خالصة) فربما قرئت خطأ بالابتداء بقوله: (والقاف المعقودة ما هي كاف خالصة ولا قاف خالصة) أي باقتطاع المعطوف عن المعطوف إليه، فانعكس المعنى.

وفي الختام أدعو الدكتور عبد الرزاق أن يشغل نفسه ومجمعه بما هو أجدى لصون اللغة الفصيحة، وأن يدع كل ما من شأنه أن يكون سببا في تأصيل العامي المرذول المستقبح المستبعد، والله أدعو أن يهدينا لما اختلف فيه من الحق بإذنه إنه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
كتبه
بهاء الدين عبد الرحمن
مكة المكرمة

صباح الجمعة 29 شعبان 1434هـ

بعد أن نشرت ما هو مثبت أعلاه زودني الدكتور سامي الزهراني بنص نفيس للرماني في شرحه لكتاب سيبويه، أثبته هنا ليضاف إلى الأدلة التي ذكرتها على استقباح العرب للحروف التي ذكرها سيبويه لكي تجتنب "

قال الرماني:

(مسائل هذا الباب :

ما الذي يجوز في عدد حروف العربية وأحوالها ؟ ، وما الذي لايجوز ؟ ولم ذلك ؟
ولم جاز في عدد حروف العربية ثلاثة أقسام ؟ ، واﻷصل واحد منها ، وهي التسعة والعشرون حرفا ؟  ، والقسم الثاني: مستحسن ، وهو ستة أحرف؟ . ولم كان اﻷصل في هذه الستة تسعة وعشرين حرفا ؟ ولم كانت مستحسنة؟ وهي النون الخفيفة ، وهمزة بين بين ، واﻷلف الممالة ، وألف التفخيم ، والشين كالجيم ، والصاد كالزاي. 
ولم كان القسم الثالث بحروف غير مستحسنة ؟ ولم جازت ؟ وماهي ؟ وهل هي الجيم كالكاف؟ والكاف كالجيم ؟ والجيم التي كالشين ؟ والضاد الضعيفة؟ والصاد التي كالسين؟ والطاء التي كالتاء ؟ والظاء التي كالثاء ، والباء التي كالفاء ؟ ولم جعل الجيم مع الكاف ، والكاف مع الجيم قسما واحدا ؟ ولم كانت هذه الحروف مستقبحة ؟ والفروع اﻷول مستحسنة؟ .. الخ  
الجواب ... : ( فأما اﻷحرف المستقبحة فإنها تجري مجرى اللثغة في العجز عن إخراج الحرف على حقه ، وهي : الكاف كالجيم ، والجيم كالكاف ، وهذا ضعيف ؛ جراء التباعد مابين الحرفين ، وهو دليل على العجز عن إخلاص الحرف على حقه ، والشين كالجيم ؛ ﻷنه ضد المطلوب ؛ إذ كانت الجيم أقوى من الشين ، وكذلك الطاء كالتاء ؛ لقوة الطاء بالاستعلاء واﻹطباق والجهر، والضاد الضعيفة ؛ للعجز عن إخراجها قوية على حقها ، والباء كالفاء من المقلوب ؛ لما في الفاء من الانتشار في الشين ، والصاد كالشين من المقلوب ؛ ﻷن الصاد أقوى بالاستعلاء واﻹطباق. فهذه سبعة أحرف غير مستحسنة ؛ لما بينا من أنها تجري مجرى اللثغة ، إلا أنها لما كانت في جماعة كبيرة من العرب بينها ليعرف المذهب فيها ؛ ويفصلها من المستحسنة ، وبين أنها لاتجوز في القراءة كما يجوز الحرف اﻷول ؛ وإنما جعل الجيم مع الكاف ، والكاف مع الجيم قسما واحدا ؛ ﻷنه ليس فيه إلا التقديم والتأخير ، وكلاهما مستقبح ؛ لتباعد الحرفين).