الجمعة، 4 أبريل 2014

سيمياء النحو

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين ..
اللهم إنا نسألك علما نافعا وعملا صالحا متقبلا
وبعد
فموضوع هذه الورقة: سيمياء النحو، دراسة العلامات في النظام النحوي.
والسيمياء لها علاقة لغوية بثلاث كلمات ، وهي الاسم الذي أصله سِمْو مثل قِنو ، والوسم، والسوم، وهي كلمات تتدانى في المعنى، ويمكنها أن تنضوي تحت معنى العلامة، لذلك لا نبعد عن المنهج العلمي إذا مهدنا لهذا الموضوع بالرجوع إلى قوله تعالى:
وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ *
ومِنْ عِلم الأسماء تفرعت ونشأت العلوم الإنسانية كلها، ذلك أن الأسماء علامات على المسميات، تميز بعضها عن بعض، وتكشف عن صلات التشابه والاختلاف فيما بينها، وتمييز الأشياء حسية كانت أم معنوية بعضها عن بعض، وإدراكُ أوجه الاشتباه والافتراق فيما بينها بدايةُ نشأة كل علم من العلوم .
ولهذا كانت الأسماء في اللغات هي الأصل التي تدور حولها أنواع الكلمات الأخرى، التي استحدثت للحديث والإخبار عن الأسماء.
لذلك نجد أن سيبويه بعد أن عرف الاسم بقوله: فالاسم: رجل، وفرس، وحائط.
 قال:
(وأما الفعل فأمثلة أخذت من لفظ أحداث الأسماء، وبنيت لما مضى، ولما يكون ولم يقع، وما هو كائن لم ينقطع.
فأما بناء ما مضى فذهب وسمع ومكث وحمد. وأما بناء ما لم يقع فإنه قولك آمراً: اذهب واقتل واضرب، ومخبراً: يقتل ويذهب ويضرب. وكذلك بناء ما لم ينقطع وهو كائن إذا أخبرت.
فهذه الأمثلة التي أخذت من لفظ أحداث الأسماء.)
وأحداث الأسماء هي ما يعرف بالمصادر، وهي تدل على ما يسند للأسماء من أفعال أو صفات حسية أو معنوية.
مفهوم السيمياء:
لن أبحث هنا في هذه الورقة في مفهوم السيمياء والنقاشات والاختلافات التي دارت حوله بأكثر من أعرفه بأنه علم يدرس العلامات داخل نظام معين، أو في مجال معين.
أما تحقيق القول فيه فيحتاج إلى إلى بحث مستفيض، وهو ما أرجو أن يهيئ الله لي أسباب إنجازه.
 وإنما اخترت هذه التسمية مع وجود تسميات أخرى لهذا المفهوم كالسيميولوجيا والسيميوتيك والعلامية وغير ذلك لأن الكلمة تعني العلامة سواء كانت من السوم فتكون على وزن فعلياء ككبرياء، أو كانت من الوسم بحدوث قلب مكاني فتكون على وزن عفلياء، ولأني وجدت أكثر الباحثين في تحديد هذا المفهوم يستخدمون هذا المصطلح، فاخترته سعيا لتوحيد المصطلح بين المعنيين بهذا الشأن.
وبناء على هذا المفهوم الذي بينته باختصار يكون لكل علم سيمياء خاصة تعنى بدراسة العلامات والرموز التي يستخدمه ذلك العلم، وما بينها من علاقات، فثم سيمياء الطب وسيمياء الهندسة وسيمياء الرياضيات ، وجاءت علوم الحاسبات بآلاف العلامات والرموز ليكون لها سيمياؤها الخاصة.
وكما كثر الخلاف حول مفهوم السيمياء باعتباره علما كثر الخلاف حول معنى العلامة، وأنواع العلامات، وتتبّعُ هذه الخلافات للوصول إلى مفهوم دقيق للعلامة لا يحتمله وقت هذه الورقة لذلك أبينه باختصار بأنه يعني كل إشارة مدركة بإحدى حواس الإنسان أو مدركة باستنتاجه العقلي لها مدلول معين في ذهنه،
فهي تشمل الإشارات الطبيعية التي فطر عليها الإنسان كدلالة لغة العيون مثلا والتي أشار إليها المجنون في قوله:
جَعَلنا عَلاماتِ المَوَدَّةِ بَينَنا       تَشابُكَ لَحظٍ هُنَّ أَخفى مِنَ السِحرِ
أو الآيات المبثوثة في الكون والتي أشار إليها الله تبارك وتعالى في دعوة منه سبحانه لإعمال العقل في إدراك مدلولاتها، وذلك مثلما نجده في قوله عز وجل::
إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ.
كما تشمل الإشارات والرموز والرسوم التي تواطأ عليها الناس واتفقوا فيما بينهم على مدلولاتها.
وقد ورد لفظ العلامات في القرآن الكريم في قوله سبحانه:
وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ  وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ
قال الطبري:
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله تعالى ذِكرُه عدّد على عباده من نعمه إنعامه عليهم ، بما جعل لهم من العلامات التي يهتدون بها في مسالكهم وطرقهم التي يسيرونها، ولم يخصص بذلك بعض العلامات دون بعض، فكلّ علامة استدلّ بها الناس على طرقهم ، وفجاج سبُلهم ، فداخل في قوله( وَعَلامَاتٍ ) والطرق المسبولة الموطوءة علامة للناحية المقصودة، والجبال علامات يهتدى بهن إلى قصد السبيل، وكذلك النجوم بالليل.
غير أن الذي هو أولى بتأويل الآية أن تكون العلامات من أدلة النهار، إذ كان الله قد فصل منها أدلة الليل بقوله( وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ )

لا أبالغ إن قلت إن حياتنا قائمة على العلامات ومدلولاتها وما تقتضيه من أفعال ، بل إن الله تبارك وتعالى جعل الوجود المخلوق كله علامة على وجوده سبحانه، وجعل العقل الإنساني مدركا للعلامات وما تدل عليه ، وبناء على ذلك علم آدم الأسماء كلها ، فكان ذلك بداية تعامل العقل الإنساني مع العلامات، ولم يزل البشر يتفاهمون ويتعاملون بالعلامات على اختلاف أنواعها ومجالاتها سمعية كانت أم مرئية أم مدركة بأي حاسة من حواس الإنسان الأخرى.
وتعد اللغة جزءا من منظومة العلامات في حياة البشرية التي صارت دراستها موضوع علم يسمى علم السيمياء.
ويحتل علم السيمياء العامة مكانة بارزة في الدراسات الإنسانية الحديثة بل يكاد يكون لكل علم من العلوم سيمياء خاصة به وبخاصة العلوم التي تعتمد اعتمادا كبيرا على الرموز والعلامات كالرياضيات وعلوم الحاسب ولغات البرمجة.
 ولكن تبقى سيمياء العلوم الإنسانية أخصبها في المناقشة والتحليل لما تتأثر فيها العلامات بالأنماط والأنساق السياقية، ولذلك شاعت سيمياء اللغة وسيمياء الأدب واشتهرت أكثر من غيرها.
وتأتي سيمياء النحو لتتناول دراسة العلامات المستعملة في بناء النظام النحوي، ، وذلك بتتبع كل العلامات اللفظية والمعنوية والعدمية التي لجأ إليها النحويون في بيان مرادهم من المصطلحات النحوية وفي تعليلاتهم ومناقشاتهم وتحليلاتهم لمختلف موضوعات علم النحو.
وقد عني النحويون قديما بمفهوم العلامة ومدى أثره في دراسة التركيب اللغوي نحويا ، ففي بداية كتاب سيبويه نجد إشارات صريحة إلى العلامات التي تميز أنواع الكلم من حيث دلالتها على الزمن وتجردها عنه، ومن حيث كونها وصفا أو مجردة من الدلالة على الوصف، وعلامات المثنى والمجموع على حده، وعلامات التأنيث، وعلامات الإضمار التي اشتهرت فيما بعد بالضمائر، والعلامات التي تفرق بين المبني والمعرب من الأسماء إلى غير ذلك من العلامات التي لا يكاد يخلو باب من أبواب النحو من الإشارة إليها.
وهذه الورقة معنية ببيان ما ينبغي أن  يدرس على أساس مفهوم العلامة، لتشمل الدراسة جميع أنواع العلامات اللفظية والمعنوية وحتى العلامات العدمية التي ذكرها النحويون لبيان أسس النظام النحوي وما اشتمل عليه هذا النظام من موضوعات ومباحث بحيث يسهم في توضيحها وتبيان معالمها بعيدا عن الاشتباه واللبس.
ومن خلال ذلك ستدرس قضايا نحوية مهمة كقضية أنواع الكلم بناء على علامات كل نوع ، والخلاف في وظيفة علامات الإعراب، وتردد العلامة بين كونها مجرد علامة لاحقة بالكلمة لغرض معين وكونها متحملة إلى جانب ذلك دلالة إضافية لبيان المعنى النحوي،أو بكونها صارت نائبة عن الاسم فصارت تحمل وظيفة نحوية على سبيل الاستقلال.
والهدف منه وضع منهج سيميائي لدراسة الموضوعات النحوية لما يقدمه هذا المنهج من تحديد دقيق لمعاني النحو ومصطلحاته من خلال تفصيل العلامات التي تميز بعضها عن بعض، ولما تؤديه العلامات في بعض الأحيان من وظائف نحوية إلى جانب كونها علامات ذات دلالات.
وإذا كانت اللغة منظومة من العلامات في أنظمتها المعجمية والدلالية والنحوية والصرفية والصوتية  فإن علم النحو من أشد علوم اللغة صلة وارتباطا بالسيمياء، لأنه يدرس علامات الكلمة _ وهي نفسها سيمى على مفهوم ومعنى معين_  ضمن التركيب المفيد الذي يضفي عليها معني نحويا يستوجب علامات إضافية زائدة.
 وكما أشرنا إليه فثم علامات أقسام الكلم التي هي الاسم والفعل والحرف، وثم علامات للاسم من حيث النوع والعدد، وثم علامات للمعرب والمبني ، وثم علامات للمعاني النحوية التي تقتضي إحداث تغييرات لفظية في أواخرالمعربات، وثم علامات لما يضمره المتكلم في نفسه تقوم مقام مدلولاتها، وثم علامات للأسماء المبهمة التي تتحدد بحضورها، أو بصلة تبينها وتزيل إبهامها، وثم علامات للمعاني النحوية التي يقع فيها الاشتباه واللبس، كما توجد علامات تمييز المعنى الاصطلاحي من المعنى اللغوي، وكذلك توجد علامات لتمييز الأساليب اللغوية المختلفة كالنداء والتعجب والشرط والاستفهام وغيرها . وكل هذه العلامات التي يتعامل معها دارس النحو إما لفظية أو معنوية أو عدمية.
وبحسب اطلاعي على الدراسات النحوية القديمة والحديثة لم أجد من تناول العلامات في علم النحو على هذا النحو الذي يتناوله البحث من التقصي والشمول والترتيب والتبويب والمناقشة والتحليل ، فجل ما كتبه النحويون لا يتجاوز دراسة علامات الإعراب .
لذلك وجدت أنه لا بد من دراسة العلامات في النظام النحوي على نحو شمولي ومناقشة كل القضايا المتعلقة بها لتقديم تصور واضح ودقيق لموضوعات علم النحو.
لا توجد دراسات تناولت العلامة في النحو من وجهة نظر سيميائية ، كما لا توجد دراسات تناولت جميع أنواع العلامات في النظام النحوي ولكن توجد عدة دراسات عن العلامة الإعرابية كدراسة محمد حماسة عبد اللطيف ودراسة بلقاسم دفة كما توجد دراسات عدة تناولت السيمياء بشكل عام مثل دراسة عبد الواحد المرابط التي هي بعنوان السيمياء العامة وسيمياء الأدب
الهدف العام من هذا البحث وضع منهج سيميائي لدراسة النحو وفي سبيل ذلك يأمل البحث تحقيق الأهداف الآتية:
1    - تحقيق معنى مصطلح السيمياء.
2    – تحقيق معنى سيمياء النحو، والفرق بينه وبين  سيمياء اللغة وسيمياء الأدب  .
3    – استقراء جميع أنواع العلامات في النظام النحوي.
4    – استقصاء جميع القضايا النحوية المبنية على العلامات ووظائفها.
5    – تقديم تصور شامل للنظام النحوي من خلال دراسة العلامات.
6     
ولأجل هذه الأهداف ينبغي دراسة الموضوعات الآتـية ضمن بحث متكامل:
-      معنى سيمياء النحو وسيمياء اللغة وسيمياء الأدب
-      أنواع العلامات في النظام النحوي
-      العلامات اللفظية
-      العلامات المعنوية
-      العلامات العدمية
-      : العلامات المميزة لأقسام الكلمة:
-      علامات الاسم
-      علامات الفعل
-      علامات الحرف
-      العلامات المميزة لنوع الكلمة من حيث الجنس والعدد:
-      علامات التأنيث
-      علامات التثنية
-      علامات الجمع
-      تمييز أقسام الكلمة بين اللفظ والمعنى
-      : علامات الإضمار:
-      علامات إضمار المتكلم
-      علامات إضمار المخاطب
-      علامات إضمار الغائب
-      تردد علامة الإضمار بين الدلالة المجردة وتحمل المعنى النحوي
-       علامات المبهمات:
-      علامات المبهمات المبينة بالحضور والإشارة.
-      علامات المبهمات المبينة بالجمل الخبرية
-      تردد علامة الإبهام بين الدلالة المجردة وتحمل المعنى النحوي
-      علامات تمييز المعاني النحوية (علامات الإعراب)
-      علامات الرفع
-      علامات النصب
-      علامات الجر
-      علامات البناء
-      الشبه اللفظي بالحرف أو اسم الصوت
-      الشبه المعنوي
-      علامات الأساليب :
-      النداء والندبة والاستغاثة والتعجب والاستثناء والاستفهام والشرط  والقسم والنفي والإنكار .

-      ولي أمل – إذا تم إنجاز البحث في هذا الموضوع_ أن يكون مرجعا مهما لمعرفة جميع العلامات التي استعان بها النحويون لبناء النظام النحوي، ولشرح المصطلحات النحوية، كما يعد مرجعا مهما للقضايا الخلافية المتعلقة بالعلامات في علم النحو ، كذلك يفيد الدارسين في تكوين تصور دقيق لأبواب النحو المختلفة، ومعرفة الفروق بين الأبواب المتشابهة، كل ذلك على المستويين البحثي والتعليمي.


وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

هناك 3 تعليقات:

  1. أزال المؤلف هذا التعليق.

    ردحذف
  2. في تقديري الشخصي: أنّ هذا مشروعٌ لعمل بحثيٍّ رصين، يجمعُ في إحكامٍ، بين معطيات المناهج السيميائيّة المعاصرة والأصولِ الأصيلة للتفكير النحويّ عند العرب. وبالمكتبة العربيّة حاجةٌ ماسّة إلى أمثال هذه البحوث العلميّة الرصينة التي تستلهمُ التراث النحويّ القديم خيرَ استلهامٍ وتعيه كلَّ الوعي، وتفيد فائدةً حسنةً ورشيدةً من معطيات اللسانيّات المعاصرة؛ فتدرك- بذلك- غايةَ الربطِ المُحكم والوثيق بين الأصالة والحداثة، التي قلَّ مَنْ يسعى إلى إدراكها مِن بين المعاصرين. وفّقكم الله، دكتورنا الفاضل.

    ردحذف
  3. موضوع جميل يسر الله لكم إتمامه

    ردحذف