الجمعة، 18 يوليو 2014

دفع التعارض عن أقوال سيبويه في مسألة زيادة تاء عنكبوت

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد فهذا تحقيق لمسألة استدلال سيبويه على زيادة تاء عنكبوت وتخربوت بحذفها في الجمع لدفع التعارض عن أقواله في هذه المسألة ورفع الإشكال عنها، وكان الباعث له ما جرى من نقاش شاركت فيه على تويتر.[1]
فقد ورد في الكتاب في باب علل ما تجعله زائدا من حروف الزيادة وما تجعله من نفس الحرف:
(فما خلا هذه الحروف الثلاثة [يعني الألف والياء والواو] والهمزة والميم أولا، فإنه لا يزاد إلا بثبت.
فمما يبيّن لك أن التاء فيه زائدة التَّنضُب، لأنه ليس في الكلام مثال جَعْفُر.... فهذا بمنزلة ما اشتق منه ما لا تاء فيه.
وكذلك تاء تُرتَب وتُدْرَأ لأنهن من رتب ودرأ، وكذلك جبروت وملكوت، لأنهما من الملك والجبرية,,,, وكذلك الرغبوت والرهبوت، لأنه من الرغبة والرهبة)
ثم قال:
(والعنكبوت والتخربوت، لأنهم قالوا: عناكب، وقالوا: العنكباء، فاشتقوا منه ما ذهبت فيه التاء، ولو كانت التاء من نفس الحرف لم تحذفها في الجميع كما لا يحذفون طاء عضرفوط، وكذلك تاء تخربوت، لأنهم قالوا تخارب.)
ففي هذا النص يتحدث سيبويه عن زيادة التاء، وأنها لا تزاد إلا بدليل، فذكر أن دليل زيادة التاء في تنضب ونحوه هو انعدام النظير، وهذا الدليل يعادل الاشتقاق، ودليل زيادة التاء في ترتب وتدرأ والرغبوت والرهبوت هو الاشتقاق، وكذلك دليل زيادة التاء في عنكبوت الاشتقاق لأنهم قالوا عنكباء.
كل هذا لا إشكال فيه، وإنما الإشكال في عبارتين: الأولى: (ولو كانت التاء من نفس الحرف لم تحذفها في الجميع) فهذه العبارة الشرطية غير صحيحة لأن التاء لو كانت أصلية في عنكبوت لحذفت في الجمع المكسر، فلا يتبين الأصلي من الزائد في الحرف الأخير بالجمع ولا بالتصغير لأنه يحذف على كل حال.
والعبارة الثانية: (كما لا يحذفون طاء عضرفوط) وهي أيضا غير صحيحة بحسب المعلوم المشهور في كتب الصرف التي تنص على أنه تحذف طاء عضرفوط في الجمع والتصغير فتقول: عضارف وعضيرف، لذلك قال شيخنا محمد عبد الخالق عضيمة في مقدمة فهارس سيبويه عن هذا النص  الذي يتألف من هاتين العبارتين ، قال: هذا النص خطأ بيّن لا يستقيم مع كلام النحويين البصريين ولا مع ذكره سيبويه في مواضع أخرى من كتابه.
وقد صدق فقد نص سيبويه نفسه  على ذلك حيث قال:
( واعلم أن كل زائد لحقت بنات الخمسة تحذفها في التحقير، فإذا صار الاسم خمسة ليس فيها زيادة أجريته مجرى ما ذكرنا من بنات الخمسة، وذلك قولك في عضرفوط: عضيرف، كأنك حقرت (عضرف))
ومعلوم أن حكم التصغير والتكسير واحد عند سيبيويه الذي يقول: فالتصغير والجمع من واد واحد.
فبين قولي سيبويه  في الظاهر تعارض واضح، وقد تنبه إلى هذا المبرد، فقال فيما نقله عنه ابن ولاد في الانتصار عن عبارتي سيبويه اللتين ذكرتهما:
(وهذا خطأ ، لأنه من حذف التاء لأنها خامسة، كما تحذف طاء عضرفوط في قولك عضارف.)
وذكر المبرد احتمالين فيما ورد في هذا الموضع من الكتاب، فقال:
(وما أحسبه إلا زيد عليه، أو غلط، ولكن الدليل على زيادتها قوله: العنكب والعنكباء، عنه وعن أبي زيد)
وقد رد ابن ولاد على المبرد وأراد أن يجد توجيها يدفع به التعارض عن أقوال سيبويه ويرفع عنها الإشكال، والنحويون الذين أتوا بعد ابن ولاد لم يزيدوا على ما ذكره شيئا، لذلك سأناقش ردّ ابن ولاد وبعد ذلك أذكر التوجيه الأقرب الذي تحتمله عبارتا الكتاب المشكلتان.
قال ابن ولاد:
(اعتل سيبويه لزيادة [تاء] عنكبوت بعلتين: إحداهما الجمع وحذفها فيه، والأخرى ذهابها في الاشتقاق في قولهم العنكب والعنكباء، وجاء بالعلتين معا.)
قلت هذا عرض صحيح للمفهوم من كلام سيبويه، وفيه إشارة إلى موافقة المبرد في أن علة زيادة التاء في عنكبوت هي الاشتقاق، كأنه يريد إعلامنا بأنه لن يناقش مسألة الاشتقاق، ولكنه ذكر معها العلة الأخرى وهي الجمع وحذف التاء فيه، تمهيدا لإثباتها والردّ على المبرد.
ثم قال ابن ولاد:
فأما قوله [يعني المبرد]: إن الجمع ليس بحجة في هذا، لأن الأصول تحذف من بنات الخمسة ففي هذا جوابان:
أحدهما ما ذكره في آخر كتابه، وهو أن نون عنكبوت لو كانت التاء أصلية كانت أولى بالحذف ، لأن هذا موضع زيادتها التي يقضى بها فيه عليها، فلو لم تكن التاء زائدة لقالوا: عكابت، ولم يقولوا عناكب.
والوجه الآخر أنهم لا يجمعون بنات الخمسة البتة، وإنما هذا شيء قاسه النحويون، فلما جمعوا عناكب هذا الجمع علم أن التاء زائدة، ولو كانت أصلا لما جمعوه هذا الجمع، لأنهم لا يقولون في سفرجل: سفارج إلا على استكراه، ولم يوجد جمع مثل هذا في كلامهم إلا على استكراه.)
قلت: أما الوجه الأول فلم يذكر سيبويه أن النون في عنكبوت واقعة في موضع يحكم عليها فيه بالزيادة، وليس في الكتاب ذكر لعكابت التي ذكرها، فكلامه هنا مستنبط من كلام سيبويه، وليس مأخوذا بالمعنى من عبارة سيبويه، ولا أدري من أين استنبطه، فالذي في كتاب سيبويه أن النون إذا وقعت ثالثة ساكنة فيما كان على خمسة أحرف فهي زائدة كما في عقنقل وجحنفل أما إذا كانت ثانية ساكنة فلا يحكم عليها بالزيادة إلا بثبت، وذلك نحو حِنْزَقْر وحِنْبَتْر ، وقال في تصغير (خنشليل): خنيشيل، ثم علق على ذلك بقوله:
( تحذف إحدى اللامين لأنها زائدة يدلك على ذلك التضعيف، وأما النون فمن نفس الحرف حتى يتبين لك ، لأنها من النونات التي تكون من نفس الحرف إلا أن يجيء شاهد من لفظه، فيه معنى يدلك على زيادتها)
وربما استنبط ابن ولاد كلامه من كلام سيبويه عن زيادة النون الأولى في منجنيق الآتي ذكره.
أو استنبطه من حديثه عن زيادة النون في جُندَب وعُنصَل وقُنبَر ونحو ذلك لأنه لم يجئ فُعْلَل إلا والنون فيه زائدة، وهذا يختلف عن عنكبوت وتخربوت.
وأما الوجه الآخر ، وهو أنهم لا يجمعون بنات الخمسة البتة، وأن جمعها شيء قاسه النحويون فإن عبارته في هذا الوجه تحتاج لتحرير، لأنه قال: لا يجمعون البتة ثم قال: لم يوجد هذا الجمع في كلامهم إلا على استكراه، يعني أنهم جمعوا هذا الجمع، فكان ينبغي ألا يقول: لا يجمعون البتة.
أما قوله: وإنما هذا شيء قاسه النحويون، فلا يصح، فإنه من كلام العرب وإن كان على استكراه، أما النحويون فأثبتوا اللام وقالوا: سفارجل وسفيرجل، وذكر ذلك سيبويه فقال:
(وإنما منعهم أن يقولوا سفيرجل أنهم لو كسروه لم يقولوا: سفارجل ولا فرازدق ولا قباعثر ولا شماردل، وقال الخليل: لو كنت محقرا هذه الأسماء لا أحذف منها شيئا، كما قال بعض النحويين، لقلت:سفيرِجْل، كما ترى، حتى يصير بزنة دنينير ، فهذا اقرب وإن لم يكن من كلام العرب)
فكلام سيبويه واضح في أن بعض النحويين لا يحذفون شيئا من الخماسي ، ولكنه ليس من كلام العرب، والذي هو من كلام العرب حذف الخامس ليكون على مثال مفاعل أو مفاعيل في التكسير، وعلى مثال فعيعل أو فعيعيل في التصغير.
وابن ولاد محق في جزء من كلامه، فقد عدّ سيبويه تكسير الاسم دليلا على أنه ليس من بنات الخمسة، فكل اسم ورد عن العرب تكسيره فهو إما ثلاثي أو رباعي، وهذا مبدأ بنى عليه منهجه في تمييز الزائد عن الأصلي، وهذا واضح في جمعه بين (منجنيق) و(عنكبوت) وتطبيق هذا المبدا عليهما دفعة واحدة، فقال عنهما:
( ويدلك على زيادة التاء والنون [يعني تاء عنكبوت والنون الأولى في منجنيق] كسر الأسماء للجمع وحذفها، وذلك أنهم لا يكسرون من بنات الخمسة للجميع حتى يحذفوا، لأنهم لو أرادوا ذلك لم يكن على مثال مفاعل ومفاعيل، فكرهوا أن يحذفوا حرفا من نفس الحرف، ومن ثم لا يكسّرون بنات الخمسة إلا أن تستكرههم، فيخلطوا، لأنه ليس من كلامهم، فهذا دليل على الزوائد.)
جمع سيبويه هنا بين تاء عنكبوت ونون منجنيق الأولى، وجعل حكمهما واحدا، حيث يستدل على زيادتهما بالجمع، ويحتاج كل واحدة منهما لتفصيل.
أما وجه الاستدلال في زيادة النون الأولى في منجنيق فلأنهم في الجمع قالوا: مجانيق، فحذفوا النون الأولى، ولو كانت أصلا لثبتت، ولجمعت بالتاء على منجنيقات، ولما جمعت على مفاعيل.
وأما وجه الاستدلال في زيادة التاء في عنكبوت فلأنهم قالوا في الجمع عناكب، فحذفوا التاء، ولو كانت التاء أصلية لثبتت وجمعت على عنكبوتات، ولما جمعت على مفاعل.
هكذا استدلال سيبويه، فهو لا يعتد باحتمال أن تكون الكلمة خماسية، وأن الخامس حذف من عنكبوت ليكون الجمع على مفاعل، وهذا الاحتمال اعتد به المبرد، وهذا الاعتداد، جعله يستدرك على سيبويه، ويبين أن الجمع لا يحتج به للقطع بزيادة التاء وأن القاطع في ذلك اشتقاق العنكب والعنكباء، وهذا ما اختاره ابن جني في المنصف أيضا حيث قال:
(لأنه ليس بقولهم (عناكب) يعلم لا محالة أن التاء في عنكبوت زائدة، وإنما يعلم ذلك بقولهم عنكب في معناه، وقالوا أيضا : عنكباء، فبهذا يقطع على زيادة التاء في عنكبوت)
وأما مسالة أنه ربما أراد: يحذفون التاء في عناكب من غير استكراه، وفي غيره  من الخماسي يحذفون الحرف الأخير على استكراه، فقد قال ابن جني فيها: فقد يمكن قائل أن يقول: ما تنكر أن تكون التاء أصلا، ويكون تكسير الكلمة على استكراه؟ وإذا احتج بقولهم في معناه (عنكب) سقط الكلام فهذه هي الحجة.
ثم قال ابن ولاد:
وأما قوله (كما لا يحذفون طاء عضرفوط): فيحتمل أيضا وجهين: أحدهما: كما لا يحذفونها في الاشتقاق، كما وجد في عنكبوت محذوف التاء في عنكب وعنكباء، ولم يُرِد الجمعَ في هذا، والوجه الآخر أن يكون أراد كما لا يجمعون عضرفوطا فيحذفون الطاء في الجميع ، أي: ليس يجمع مثل هذا فيقع الحذف، فهذان وجهان في تأويل ما قال.)
قلت: أما الوجه الأول فيكون تأويل عبارة سيبويه عليه : وقالوا العنكباء، فاشتقوا منه ما ذهبت فيه التاء، ولو كانت التاء من نفس الحرف لم يحذفوها في الاشتقاق كما لا يحذفون طاء عضرفوط في الاشتقاق.
 وهذا يصح لو وجد اشتقاق من العضرفوط ثبتت فيه الطاء، أما ألا يكون منه اشتقاق أصلا فكيف يُحكَم بأن الطاء لا تحذف مما اشتق منه؟
وأما الوجه الثاني فيكون تأويل عبارة سيبويه عليه: لوكانت التاء من نفس الحرف لم يجمعوها ولم يحذفوا التاء كما لا يجمعون عضرفوطا ولا يحذفون الطاء.
ويرد على هذا أنه يؤدي إلى أن يكون ذكر الحذف لغوا لا فائدة فيه، لأنه إذا كان مناط الاستدلال هو الجمع فلا حاجة لذكر الحذف التابع له، ولو كان ذلك مرادا لكان ينبغي أن يقال: لو كانت التاء من نفس الحرف لم يجمعوا عنكبوتا كما لا يجمعون عضرفوطا. فكان على ابن ولاد أن يجيب عن هذا الإيراد.
أما مسألة توجيه العبارة على أن يكون المقصود بأنهم لا يحذفون طاء عضرفوط في الجمع إلا مستكرهين، فيرد عليه أن حذف الحال مع (إلا) في مثل هذا ممتنع، فلا يجوز أن تقول: ما جئت، وأنت تريد: ما جئت إلا راكبا، ولا يجوز أن تقول: ما استقبلت زيدا، وأنت تريد: ما استقبلت زيدا إلا مكرها، كل هذا لا يجوز، فكذلك لا يجوز أن يقول سيبويه: لا يحذفون طاء عضرفوط، وهو يريد: لا يحذفون طاء عضرفوط إلا مستكرهين.
فأنت ترى أن توجيه ابن ولاد قد يدفع الغلط على تكلف ، لكن لا يرفع الإشكال.
وقد وجدت نصا لسيبويه قد يفسر مراده من عبارته، وذلك في باب ما ضوعفت فيه العين واللام كما ضوعفت العين وحدها واللام وحدها في نحو: ذرحرح وحلبلاب وصمحمح وبرهرهة، حيث يرى سيبويه أنها ثلاثية ملحقة بالخماسي فصمحمح على مثال: فعلعل، وليس على مثال فعلّل كسفرجل، بدليل أنهم قالوا صمامح، قال سيبويه:
(فلو كانت بمنزلة سفرجل لم يكسروها للجمع ولم يحذفوا منها، لأنهم يكرهون أن يحذفوا ما هو من نفس الحرف، ألا تراهم لم يفعلوا ذلك ببنات الخمسة، وفرّوا إلى غير ذلك حين أرادوا أن يجمعوا) [2]
 فالظاهر أن سيبويه لا يجيز في السعة أن يجمع الخماسي على مفاعل أو مفاعيل لأنه لا بد من حذف الحرف الأخير، وهو ما تكرهه العرب، ولذلك لم يخصص في كتابه بابا لتكسير بنات الخمسة، واكتفى بتصغير بنات الخمسة، وذكر أن الحرف الأخير يحذف في التصغير، أو الحرف الذي قبل الأخير إن كان من حروف الزيادة أو يشبه الحروف الزائدة، وذلك حكم جمع التكسير في حال الاستكراه، وحكم هذه الحال كحكم الضرورة عند سيبويه فلا يجمع الخماسي جمع تكسير، ويفهم من الجمع بين نصوصه أنه يجوز عنده تصغيره، ولا يجوز تكسيره، والسبب عندي يعود لأمرين: الأول أن التصغير يشبه الترخيم بجامع التقليل، فالترخيم تقليل للفظ المنادى، والتصغير تقليل للمصغر، ولا كراهة في حذف الأصول في الترخيم، فكذلك لم يكرهوا حذف الأصل في التصغير بخلاف الجمع. والثاني أن التصغير لا يوجد بديل عنه كي يفروا إليه، أما جمع التكسير فيوجد له بديل وهو الجمع السالم.
وتوقفت عند عبارة سيبويه (وفرّوا إلى غير ذلك حين أرادوا أن يجمعوا) فما المراد بـ(غير ذلك)؟ ورجعت إلى كتب اللغة فوجدت أنهم أثبتوا لعضرفوط جمعين، عضارف وعضرفوطات، وهذا يعني أن سيبويه يرى أن الخماسي لا يجمع جمع تكسير، وأن العرب تفر منه إلى الجمع بالتاء ، وهذا ما ذكره السيرافي في شرحه لهذا الموضع حيث قال:
( وليس من شأن العرب جمع ما كان على خمسة أحرف أصلية بغير الألف والتاء، لا يكادون يقولون سفارج وفرازد، فإن اضطروا حذفوا الحرف الأخير)
ولم يذكر سيبويه أمثلة على الخماسي المكسّر بخلاف المصغر، وهذا دليل على أنه لا يجيزه في حال السعة، وأن الجمع المعتمد عنده للخماسي هو الجمع السالم إما بالواو والنون كما لو أردت جمع فرزدق فتقول: فرزدقون، وإما بالألف والتاء كما في عضرفوطات.
وقد كنت أرى احتمال أن تكون العبارتان المشكلتان في الكتاب زيادة ألحقت بالمتن قبل أن أطلع على قول المبرد الذي نقله ابن ولاد [3]
 ولكن بعد الوقوف على ما جاء في الانتصار، وعلى نصوص الكتاب الأخرى أرى أنهما من كلام سيبويه، فهل غلط سيبويه في هذا الموضع؟
لا أرى رأي المبرد في أن سيبويه غلط في هذا الموضع، ولكني أرى أن له مذهبا لم يدركه المبرد، أو لا يقبله المبرد، وهو أنه لا يجوّز تكسير الخماسي، وأن ما ورد عنهم لا يعتد به لأنه مخلط ليس له ضابط، فربما جمع بعضهم على غير مفاعل ومفاعيل كالذي رواه الأخفش، فقد ذكر الرضي أن الأخفش سمع سفيرجلة، وذكر أن الأصمعي روى عناكبيت وعنيكبيت، ولذلك لم يخصص في كتابه بابا لتكسير الخماسي، ولم يذكر مثالا واحدا للمكسّر من الخماسي، وهو وإن جعل التصغير والتكسير من واد واحد فقد فرّق في بنات الخمسة بينهما، فكرر كثيرا أنها لا تجمع جمع تكسير، وأنهم يكرهون تكسيرها ولم يذكر أنها لا تصغر، أو يكرهون تصغيرها، والسبب في ذلك ما ذكرت من أن التصغير يشبه الترخيم والترخيم يحذف فيه الأصلي، وكذلك لا خيار لهم في التصغير أن يخرجوا عن فعيعل أو فعيعيل، أما في الجمع فلهم خيار الخروج عن مفاعل ومفاعيل إلى الجمع السالم بالنون أو بالتاء.
ولذلك أرى أن تخرج عبارتا سيبويه على النحو الآتي:
ولو كانت التاء من نفس الحرف لكانت الكلمة خماسية ولما كسّرت ولجمعت بالألف والتاء فقط، وما حذفت التاء في هذا الجمع كما هو معلوم، كما لا تحذف طاء عضرفوط في الجمع بالألف والتاء، الذي ليس لها جمع غيره، فيقال: عضرفوطات لا غير.
فإن قيل : فلم استدل سيبويه بالحذف مع الجمع ما دام أن الاستدلال بالجمع المكسر وحده على مذهبه كاف لإثبات زيادة التاء؟ وهذا هو الإيراد الذي أوردته في البداية على ابن ولاد وقلت: كان عليه الإجابة عنه.
 والجواب عندي أنه لما كان جمع التكسير هو الجمع الذي تحذف فيه الزوائد مما كان على أكثر من أربعة أحرف ، وبه وحده يستدل على اصالة الحروف لا بالجمع السالم صار الحذف عَلَما لهذا الجمع في هذا الباب، فإذا قيل في هذا الباب: لا يحذف، فكأنه قيل لا يجمع هذا الجمع، فاستغنى سيبويه بقوله: لا يحذفون عن : لا يجمعون جمع تكسير .
والفرق بين هذا التوجيه وتوجيه ابن ولاد في مسالة الاستدلال بالجمع أن ابن ولاد لم يجب عما يرد على قوله كما أشرت، ولم يذكر مسالة أن العرب يجمعون بنات الخمسة بالتاء فلذلك لا يحذفون طاء عضرفوط إذا جمعوه على جمعه القياسي الذي لا يجمع الخماسي الأصول إلا عليه ولا يجمع على غيره، ولا اعتداد بما استكرهوا عليه وكسروه فخلطوا فيه.
هذا أقصى ما يمكن أن يوجه عليه المقصود من عبارتي سيبويه، والله أعلم.








[1] النص المشكل (والعنكبوت والتخربوت، لأنهم قالوا: عناكب، وقالوا: العنكباء، فاشتقوا منه ما ذهبت فيه التاء، ولو كانت التاء من نفس الحرف لم تحذفها في الجميع كما لا يحذفون طاء عضرفوط) عرضه الدكتور عبد الرزاق الصاعدي في تويتر وقال في البداية إن النص محرف ثم تراجع بعد مناقشة الأستاذ حسن العمري واقتنعا بتوجيه السيرافي من أن المراد: لا يحذفون طاء عضرفوط إلا على استكراه، ولكني لم أقتنع فكتبت هذا التحقيق.
[2]   ذكر لي الأستاذ عبد الله سعد الحربي في تويتر أن هذا النص أورده الدكتور عبد الرزاق الصاعدي في تغريداته عن هذه المسالة، ولم أكن قد اطلعت على تغريداته تلك.
[3] وكنت ذكرت ذلك للأخ الدكتور سامي الزهراني الذي اتصل بي فيما بعد وقال: وافق قولك قول المبرد في أحد الاحتمالين اللذين ذكرهما عنه ابن ولاد.

هناك 9 تعليقات:

  1. أفادني الأخ الدكتور سليمان العيوني بفائدة نفيسة قال:وجدت في حواشي النسخة الشرقية التي حققتها تعليقًا على هذا النص، هذا نصه: "لأنَّهم يقولون (عَضْرفُوطَاتٌ)، ولا يَكَادُونَ يُكَسِّرُونَهُ على (عَضَارِفُ) إِلَّا على اسْتِكْراهٍ".
    قلت هذا يقوي ما ذهبت إليه .

    ردحذف
  2. أزال المؤلف هذا التعليق.

    ردحذف
  3. قلت:

    ❶ إن فيما ثبت في النسخة الشرقية.
    ❷ وما في: "والجمع: (عنكبوتات) وعناكب، عن اللحياني". وثبوت نحو: عضرفوطات وعضارف، وثبوت: عنكبوتات وعناكب -[ولا أرى أن سيبويه لا يرى ولا يعرف نحو: عنكبوتات وعضارف، فقد وضع لذلك القواعد وواضعها يعرف الأمثلة لا شك في ذلك عندي]- ما يدل كل دلالة على ما ذكرت من قبل من أمر الاستكراه والقلة والكثرة والجرأة.
    وأنه دليل مقوٍّ، وقد اتكل في التقوية عليه سيبويه، وهو مما ذكرته من قبل أيضا، ولقد جعل سيبويه من الجمع المكسر المحذوف الزائد مقويا لا غير في قوله في الكتاب:

    "فإنما منجنيقٌ بمنزلة عنتريسٍ، ومنجنونٌ بمنزلة عرطليل.
    فهذا ثبتٌ.
    ⚫️ويقوي ذلك مجانيق ومناجين".


    وهذه كلمة كأنها لم يهتد إليها الذين خاضوا في مسألة العنكبوت.".

    والآن جاء الخوض فيما قاله ابن جني وارتضاه د/بهاء من قبل:

    قال عثمان إن ما قاله سيبويه في عناكب غير قطعي، وأن القطعي هو الذي ذكره في الرد على أبي عثمان:
    قال في المنصف:
    فأما قوله[أبوعثمان]:
    فتذهب النون في التكسير، كما تذهب تاء عنكبوت إذا قلت: "عناكب"، ففيه شيء لأنه ليس بقولهم: "عناكب" يعلم لا محالة أن التاء في عنكبوت زائدة.
    وإنما يعلم ذلك بقولهم:
    "عَنْكَب" في معناه.
    وقالوا أيضا: "عَنْكَبَاء"
    فبهذا يقطع على زيادة التاء في عنكبوت لا بما ذهب إليه أبو عثمان. ولكنه لما رآهم يقولون في الجمع:
    "عناكب" فيجترئون على حذف التاء من غير استكراه، استدل به على زيادتها؛ لأنها لو كانت في من الأصل لقبُح حذفها؛ لأنهم لا يكسِّرون ذوات الخمسة إلا على استكراه،
    ((فقد يمكن قائل أن يقول:
    ما تنكر أن تكون التاء أصلا ويكون تكسير الكلمة على استكراه،))
    وإذا احتج بقولهم في معناه: "عنكب" سقط الكلام.
    فهذه هي الحجة القاطعة."

    ⚫️قلت:
    فأنت ترى عثمان قطع بثبوت شرط الاستكراه، ولكنه إنما خاض في صحة ذلك إن ادعاه مدعٍ:
    أثابت الاستكراه في هذه اللفظة أم غير ثابت.
    (وفي ذلك تفصيل ليس هذا محله).

    وقد وافق سيبويه في ذلك كلام شيخه أبي زيد -وأي شيخ هو- في إثبات ذلك، فقد جاء في المخصص:

    "وقد استدل على زيادة تائه بـ(ـعناكب) وظاهر الأمر غير صحيح في باب الدلالة؛ لأنه لا شك عندنا في أن طاء (عضرفوط) أصل، ونحن إذا كسرناها لا بد من حذفها؛ لكن أبو زيد حكى أن (عناكب) ⚫️(غير سمجة) في كلامهم.
    وسيبويه يحكي عن العرب أنهم لا يكسرون شيئا من بنات الخمسة إلا مستكرهين.
    يعني بقوله: مستكرهين، أنهم لا يكسرونه إلا أن يقال لهم: كسروه، فلما كانت (عناكب) ⚫️(سمحة) في كلامهم يكسرونها من غير أن يساموا بكسرها، على ما حكاه أبو زيد، يجده سيبويه دليلاً على زيادة التاء".

    وقد جعل سيبويه من الجمع المكسر في: مناجين ومجانيق مقويا.
    والمقوي:
    لا شك هو دليل من الأدلة.
    ولو كان لا يرى الحذف ولا تكسير الخماسي أبدا لقطع بعناكب ومناجين ومجانيق واكتفى بذلك.

    ولكنه لما صح عنده من تكسير الخماسي بحذف الأصول احتاج لدليل غيره. وهو: الاستكراه.
    ولو لم يكن له شرط الاستكراه لما كان في (مناجين) و(مجانيق) و(عناكب) تقوية لشيء، أو لكان قطعيا لو كان كما ادعي أنه لا يعرف تكسير الخماسي البتة.
    فصح لذلك ما مهدت له.

    ومعاد السلام عليكم ورحمة الله
    والشكر للدكتور بهاء فقد أطلعنا على وافر عقله وعلمنا وأفرحنا بمشكلة كهذه جزاه الله خيرا.

    ردحذف
  4. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته وشكر الله لك هذه المشاركة القيمة ، ولعلي أحرر محل الخلاف في قضية الاستكراه
    أنا لا أنكر وقوع الاستكراه فهو واقع بدليل ذكر سيبويه له فقد أخذ من العرب الفصحاء وسألهم بلا شك وعرف المستكره من غير المستكره ولكن الذي فهمته من كلام سيبويه أن ما جاء عن طريق الاستكراه لا تبنى عليه قاعدة تماما كما لا تبنى على الشذوذ قاعدة، وبخاصة إذا كان نتيجة الاستكراه تخليطا.
    فهو قد سال العرب أن يكسروا له الخماسي فوجدهم يفرون من جمعه جمع تكسير إلى الجمع السالم، والذين جمعوه جمع تكسير خلطوا، ومعنى التخليط هو أن يأتي كل واحد بجواب مختلف عن الثاني لأنه ليس من لغتهم فربما قاسوه على الرباعي وحذفوا حرفا أصليا وربما أثبتوا وخرجوا من مفاعل ومفاعيل وهذا التخليط لا يمكن أن تبنى عليه قاعدة مطردة، فما ورد عنهم بطريق الاستكراه يحفظ ولا يقاس عليه كالشذوذ، بل هو أدنى درجة من الشذوذ لأن المتكلم بالشاذ تكلم به من غير استكراه.
    لذلك فكلام المحشّي في النسخة الشرقية للكتاب يقوي ما ذهبت إليه فهو تعليل لعبارة سيبويه التي تؤول مع الحاشية إلى الآتي: كما لا يحذفون طاء عضرفوط لأنهم يقولون عضرفوطات، ثم أكد هذا بقوله إنهم لا يكادون يقولون عضارف إلا على استكراه، وهو بمثابة الشاذ الذي لا يعتد به.
    فاستدلال سيبويه بالجمع على زيادة تاء عنكبوت على هذا قطعية لأنها لو كانت أصلية لما جمعت إلا على عنكبوتات، ولكانت عناكب مروية عن طريق الاستكراه الذي هو بمثابة الشاذ أو أدنى أي لكانت بمنزلة عضارف في الاستكراه والشذوذ .
    والفرق بين ما أراه وما يراه من قال بالاستكراه يظهر لو ذكرنا المقدر في عبارة سيبويه فعندهم تكون عبارة سيبويه كالآتي: ولو كانت التاء أصلية لم تحذفها في الجمع المكسر إلا مستكرها كما لا يحذفون طاء عضرفوط في الجمع المكسر إلا مستكرهين ، وعندي أن عبارة سيبويه كالآتي: ولو كانت التاء أصلية لم تحذفها في الجمع لأنك عندئذ تجمعها بالألف والتاء فتقول عنكبوتات، كما لا يحذفون طاء عضرفوط لأنهم يقولون عضرفوطات.
    والتوجيه الأول يرد عليه أمران الأول أن حذف الحال المحصورة لا يجوز مطلقا، فلا يجوز أن تقول: ما استقبلت زيدا، وأنت تعني : ما استقبلت زيدا إلا مكرها.
    والثاني أنه يمكن لقائل أن يقول وما يدريك لعل عناكب أيضا جاءت بالاستكراه مثل عضارف.
    والتوجيه الثاني يرد عليه شي واحد ساقط وهو ورود عضارف فيقال هذا ليس من كلامهم وإنما جاء بالاستكراه فلا يعتد به فكأنه غير موجود.
    هذا والله أعلم.

    ردحذف
  5. قولك في الرد السابق أستاذنا د/بهاء:

    "⚫️وعندي أن عبارة سيبويه كالآتي:

    ولو كانت التاء أصلية لم تحذفها في الجمع لأنك عندئذ تجمعها بالألف والتاء فتقول: عنكبوتات، كما لا يحذفون طاء عضرفوط لأنهم يقولون: عضرفوطات.".


    قولٌ كأنه لا يحل الإشكال؛ لأنك بذلك إما أن تنكر (عنكبوتات) وهي ثابتة،
    وإما أن تراها.

    فإن رأيتها أي (عنكبوتات) ورأيت (عناكب) فكيف ستعرف أن التاء زائدة أو غير زائدة؟

    ⚫️ومما يدل على بطلان مذهب من يترك الاستكراه بأنه من التخليط والشذوذ، فلا يعتد هو به، وهو مخالف بذلك لسيبويه، ما سأذكره:

    إنك إن قلت بذلك، فلن تصل إلى ذلك إلا بغير الجمعين: جمع التكسير والسالم.
    لأنك لو ذهبت تنكر (عنكبوتات) فالمنقول يشهد بوجوده.
    ولا أعرف أن رباعيا مزيدا إذا كسّر فلا يجمع جمع السلامة.

    وإن ذهبت تقول:
    عرفته لما رأيت الجمع المكسر؛ فيدخل عليك أنك لن تعرف المخلط فيه من غير المخلط إلا من خارج عليهما.
    فيرجع الكلام أنه بذلك ليس فيه دليل عندك.

    فأنت إنما عرفته بغيره، وسيبويه عرفه بغيره، وبه أيضا.
    - كما ذكر هو وشيخه:

    "...يعني بقوله: مستكرهين، أنهم لا يكسرونه إلا أن يقال لهم: كسروه، فلما كانت (عناكب) ⚫️(سمحة) في كلامهم يكسرونها من غير أن يساموا بكسرها، على ما حكاه أبو زيد، يجده سيبويه دليلاً على زيادة التاء".
    - وكذلك جعله مقويا فقال:

    "فإنما (منجنيقٌ) بمنزلة (عنتريسٍ)، و(منجنونٌ) بمنزلة (عرطليل).
    فهذا ثبتٌ.
    ⚫️ويقوي ذلك (مجانيق) و(مناجين)".

    ⚫️قلت:
    ومما ذكرته لك من قبل أيضا ما يدل دلالة قاطعة على أن مراد سيبويه هو في التكسير على مثال: (مفاعل) و(مفاعيل)، لا كل تكسير.

    -وهذا مما لم يخض في أهل الصرف من بعد سيبويه والله أعلم فقد ورد في تاج العروس:

    "قال شيخُنَا: وعن الأَصْمَعِيّ وقُطْرُب: (عَنَاكبِيت)".

    فهذا كما ترى مكسر على مثالٍ هو غير (مفاعل) و(مفاعيل)، ولم تحذف فيه التاء.
    فكيف يكون مجرد القول بالتكسير دليلا عندهم.

    قال في الكتاب:

    "ويدلّك على زيادة التاء والنون كسر الأسماء للجمع وحذفها، وذلك أنهم لايكسّرون من بنات الخمسة للجمع حتى يحذفوا؛ لأنَهم لو أرادوا ذلك لم يكن من مثال (مفاعل) و(مفاعيل)".

    ومن قبل قلت:
    دليل سيبويه مما فهمته من كلامه يكون من:

    الاستكراه أولا.
    وثانيا: من التكسير، وهو ما كان على مثال: (مفاعل) و(مفاعيل).
    فليس كل تكسير فيه دلالة على الزيادة.

    ⚫️التخليط ما هو؟
    لعل من التخليط نحو: (عناكبيت).
    ولعلهم لا يحذفونها فيقولون مخلطين أو غير مخلطين: (عضافريط).

    وقولك:

    "وكذلك لا خيار لهم في التصغير أن يخرجوا عن فعيعل أو فعيعيل، أما في الجمع فلهم خيار الخروج عن مفاعل ومفاعيل إلى الجمع السالم بالنون أو بالتاء.".

    ⚫️قلت:
    فما ترى في (عناكبيت) أليست ❶ خروجا أيضا عن (مفاعل) و(مفاعيل) ❷ ولا حذف فيها؟

    فالقول بأن الحذف يتبين به كل زائد في المكسر ليس على إطلاقه.

    ولعل قائلا يقول:
    وما يدريك لعل سيبويه ينكر نحو: (عناكبيت) في الكلام؟

    أقول:
    إن الأصمعي وقطرب حكوه عن العرب.
    فاحتمال رفضه ضعيف.
    ثم إنه مما يقوي رأيي أنه ذكر احتمال ذلك -وهذا مما لم أعلم أن أحدا ذكره قبلي واحتج به على ذلك- بقوله:
    "ويدلّك على زيادة التاء والنون:

    (كسر الأسماء للجمع وحذفها)".

    فقد جمع بين الكسر والحذف، ومن فطن لكلامه فقد فطن؛ لأنه لا حاجة له لذكر الحذف.
    فأي فائدة للمستفيد من قوله: "والحذف" في الجمع على مثال مفاعل ومفاعيل، وقد علمنا أن الخماسي لا يجمع على مفاعل ومفاعيل إلا بالحذف.


    ⚫️فهذا فرق كلامك عن كلام سيبويه عندي.

    هذا ما قد رأيته الآن والله المستعان وعليه التكلان.

    ردحذف
  6. مرحبا د وائل مرة أخرى تتحفنا بتعليقاتك القيمة المفيدة..
    أخي الكريم أنا أثبت عناكب وأثبت عنكبوتات، ولكن لوكانت التاء أصلية لحكم على عناكب بالاستكراه كما حكم على عضارف بالاستكراه
    أنا قلت إن سيبويه لا يعتد بالاستكراه لدفع التناقض عن عبارته ولو أخذنا بالاستكراه لظل التنافض موجودا فإذا جعلنا الحذف على الاستكراه معتمدا في جمع الخماسي كانت عبارة سيبويه غير صحيحة أعني قوله: كما لا يحذفون طاء عضرفوط، لأنهم يحذفونها على استكراه والاستكراه معتمد فالحذف معتمد فيتعارض الحذف المعتمد مع قوله لا يحذفون.
    أعجبني ما أشرت إليه من ذكر سيبويه الحذف مع الجمع لأن الجمع الذي يعرف يه الأصلي من الزائد هو الجمع الذي يقع فيه الحذف ولا يكون في الرباعي والخماسي إلا على مفاعل ومفاعيل، وقد أشرت إلى ذلك في نهاية التحقيق وقد أفدتني هنا بأنه ربما يكون الجمع مكسرا بلا حذف كعناكبيت، وهذا الجمع وإن ورد عنهم فهو من قبيل الشاذ والمخلط فلا يعتد به.
    الخلاصة أن القول بأن المقصود بعبارة سيبويه لا يحذفون طاء عضرفوط هو لا يحذفون طاء عضرفوط إلا مستكرهين لا يدفع عنها التناقض لأنه يؤدي إلى أن نقول: لا يحذفون طاء عضرفوط ولكن يحذفون طاء عضرفوط على استكراه والاستكراه معتمد فهذا عين التناقض.
    شكرا لك.

    ردحذف
  7. جوابي عن قولك :فقد جمع بين الكسر والحذف، ومن فطن لكلامه فقد فطن؛ لأنه لا حاجة له لذكر الحذف.
    هو الآتي:
    لما كان جمع التكسير هو الجمع الذي تحذف فيه الزوائد مما كان على أكثر من أربعة أحرف ، وبه وحده يستدل على اصالة الحروف لا بالجمع السالم صار الحذف عَلَما لهذا الجمع في هذا الباب، فإذا قيل في هذا الباب: لا يحذف، فكأنه قيل لا يجمع هذا الجمع، فاستغنى سيبويه بقوله: لا يحذفون عن : لا يجمعون جمع تكسير . والله أعلم

    ردحذف
  8. سعدتُ بقراءة بحثكم القيم ... لكم التحية دكتور بهاء الدين عبد الرحمن

    ردحذف
  9. أحسنتم، وأجملتم. بارك الله فيكم.

    ردحذف