الأربعاء، 2 يوليو 2014

تعليق الدكتور خالد الغامدي على رد الدكتور عبد الرزاق الصاعدي وعلى قرار مجمعه

 يسرني أن أقدم للقراء ما كتبه إليّ الدكتور خالد الغامدي المتخصص في علم اللغة بعد اطلاعه على ما نشره الدكتور عبد الرزاق الصاعدي من رد على تغريداتي ، قال الدكتور خالد :


" فرغت الآن من قراءة رد الدكتور عبد الرزاق الصاعدي ، وهذا تعليق موجز:

١ - لديه لبس أدى إلى خلط في فهم كلام القدماء والمتأخرين ، فهو لا يفرق فيما يظهر من النصوص الكثيرة التي نقلها عن اللغويين والنحويين من سيبويه إلى الزبيدي بين الورود والفصاحة ، فمجرد الثبوت لا يستلزم الفصاحة ، فضلا عما هو أعلى كالأفصحيّة ، فالقاف البدوية أو المعقودة (ما سموه القيف) ثابتة في لهجات البادية منذ عصر الاستشهاد ، ولكن هل يعني هذا أنها فصيحة فضلا عن كونها فصحى ؟ ومن ثَم يُقعّد لها بين حروف الفصحى ويوضع لها رمز أبجدي خاص بها بين رموز أبجدية الفصحى ؟ هو يرى هذا ، ولكنه خطأ علمي وخلط منهجي . يصح علميا أن يوضع لأي صوت فرعي أو صفة صوتية معينة رمز صوتي خاص لأجل الدرس الوصفي ، وهذا  معروف بين علماء الأصوات في كل اللغات ، لكن لا يصح منهجيا الخلط بين رموز الكتابة الصوتية ورموز الكتابة الأبجدية . 

٢ - تناقَض حين استشهد بهذه النقول على صحة موقفه ( الذي هو الترميز الأبجدي لهذا الصوت ) ؛ فالنصوص التي نقلها منذ سيبويه إلى الزبيدي واليوسي ( ١١٠٢هـ ) مجمعة على عدم فصاحة هذا الصوت وأنه من الأصوات المستقبحة في القرآن والشعر ، فهي عليه لا له ، فعلى ماذا يستشهد بها ؟! أعلى مجرد الورود ؟ هذا لا يعني الفصاحة كما هو معلوم ، وهو خلاف مقصودهم وتحريف لكلامهم . أم يستشهد بها على الفصاحة ؟ هذا قلبٌ لنصوصهم إلى عكس مقصودهم ! أم على الجواز لأهل هذه اللهجة قديما وحديثا في غير القرآن والفصيح من الكلام الأدبي وغير الأدبي ( إلا للضرورة ، وسأعقب على استشهاده بكلام الإسنوي ) ؟ هذا لا يُحتاج فيه إلى هذه النقول ، لأن كل لهجة غير فصيحة يجوز لأهلها أن ينطقوا بها في كلامهم ، قديما وحديثا ، دون أن يعني هذا أن مجرد نطقهم بها - حتى لو كان في زمن الاحتجاج - يعني الفصاحة بَلْهَ الأفصحية !

٣ - قول الفيروزآبادي فيما نقله ابن الطيّب عن ابن حجر حينما سأله عن هذا الصوت : " إنها لغة صحيحة " يخالف ظاهرُه إجماعَ القدماء على عدم فصاحة هذا الصوت في القرآن والمستوى البليغ من الكلام الأدبي ، لكن يحتمل تأويله بأنه يقصد بالصحة صحة الثبوت والورود لا فصاحة الاستعمال ، وإنْ قصد ذلك فهو مخالف للإجماع .

٤ - في نقله عن الإسنوي تدليس ! إذْ بتر النص بنقله منه ما يؤيد كلامه وحذفه الباقي الذي يخالفه ! فقد وقف بالنقل عن الإسنوي من الكوكب الدري على آخر قوله : " ونقله النووي في شرح المهذب عن الروياني " . وتمام النص من كتاب الكوكب الدري ما يلي (ص 604 ت عبدالرزاق السعدي ، ط الثانية ، مزيدة ومنقحة ، ١٤٣٢هـ ، دار الأنبار) : " ثم قال [ أي النووي في المجموع شرح المهذب ] : وفيه نظر . ومالَ المحبُّ الطبري في شرح التنبيه إلى البطلان . لكن اللحن الذي في الفاتحة لا يمنع الصحة إذا كان لا يختل المعنى كما جزم به الرافعي ، وإن كان حراما كما قاله النووي في شرح المهذب ، وحكى فيه وجهًا أن الصلاة لا تصح أيضا . وحينئذ فالصحة في أمثال هذه الأمور لأجل وروده في اللغة ،  وبقاء الكلمة على مدلولها أظهر ، بخلاف الإتيان بالدال المهملة في " الذين " عوضًا عن المعجمة ؛ فإن إطلاق الرافعي وغيره يقتضي البطلان وأنه لا يأتي [ كذا في المطبوع ، ولعله : يتأتّى ] فيه الخلاف في الضاد مع الظاء ، وسببه عسر التمييز في المخرج " . انتهى من الكوكب الدري . 

ففي هذا النص أمور : 

أ - قول الإسنوي الشافعي القرشي : " وهي قاف العرب " يقصد العرب المعاصرين له من أهل البوادي والأمصار تمييزا لهم عن غيرهم من المستعربين وأهل الأمصار من ذوي الأصول غير العربية . وكذلك ابن خلدون حينما يقول : " العرب " أو : " أهل الجيل من العرب " يقصد هذا المعنى ، ويبدو أن الصاعدي لم يفهم مقصودهم .

ب - هذه المسألة الفرعية ذكرها الإسنوى في سياق الحديث عن اللحن حينما يستعمل في العبادة ، كاللحن في الفاتحة كما تحدث ونقل عن فقهاء الشافعية ، فهو وغيره من الفقهاء الذين نقل عنهم ( المقدسي والروياني وابن الرفعة والنووي والرافعي ) يحكمون بأن هذا الصوت لحن في اللغة الفصيحة ، ويحكمون كذلك بعدم جواز قراءة القرآن به لمن يستطيع ، ولكن الخلاف الفقهي يتعلق بالصحة الشرعية في الصلاة : هل تصح الصلاة به أو لا تصح ؟ هذا محل الخلاف في النص الذي اطلع عليه الصاعدي ونقله مبتورا ، ولعله لم يفهمه ولم يقصد التدليس .

ج - النووي حرم القراءة بهذا الصوت في الصلاة ، وحكى فيه قولا بعدم صحة الصلاة ، وبين في المجموع وجه النظر في صحة الصلاة مع الكراهة (على القول الآخر) بأن القارئ لم يأت بالحرف كما هو ، بل أتى بالقاف مترددا بين حرفين ، فكيف يُتصور مع هذا التشديد الذي أظهروه أنهم يصفون هذا الصوت بأنه عربي فصيح كما أوهم نقل الصاعدي ؟!

ه - في نقله بيت العجوز الأعرابية عن اليوسي خطأ ؛ إذ أعربه ظنا منه أنه شِعْر بالفصحى ، والواقع أنه بيت من الشعر النبطي سمعه الدلائي الذي عاش في القرن الثاني عشر الهجري من المرأة البدوية في إحدى بلاد الحجاز ، فكتبه الصاعدي هكذا : 

حجّ الحجيجُ وناقتي معگولةٌ
يا ربّ يا مولايَ حلّ عگالها

فأعرب كلمتي " الحجيج " و " معگولة " وكذلك نصب الياء في " مولايَ " ظانا أن العجوز نطقت البيت بالفصحى المعربة ! وهيهات ، فالعجوز بدوية عامية عاشت قبل قرابة ثلاثة قرون ونيف حسب ما تقول الحكاية ، ولذا فالمفترض أنها سكنت هذه الكلمات : الحجيجْ ، معقولةْ ، مولايْ . ثم ماذا عن القاف في " ناقتي " ؟ هل نسي اليوسي أن يرسمها برمز القاف البدوية أم أن العجوز لم تقفقفها (كما يعبر الدكتور الصاعدي ) ؟!

هناك ملحوظات أخرى على كلامه ، ولكن هذا يكفي في بيان أن كل جهده وحماسه في هذه القضية لا طائل تحته ، واستشهاداته بنصوص اللغويين والنحاة لا تخدم هدفه وهو الاعتداد بفصاحة هذا الصوت ومن ثم الترميز له بشكل مستقل بين رموز أبجدية العربية الفصحى ، فهذا أمر مرفوض من القدماء والمتأخرين جميعا ، لأنه يسيء إلى العربية الفصحى ولا يخدمها خلاف ما توهم الدكتور الصاعدي الذي نحسب أنه أراد الخير للفصحى ولكن لم يحالفه التوفيق ، وعلى كلٍ يُحسب له تحريك الساحة بالتفكير والحوار ، وهو أمر مفيد للفكر والثقافة " .


وكان الدكتور خالد قد اطلع قبل هذا على قرار المجمع وكتب هذا التعليق :


" في نقاشهم وقرارهم خلْطٌ بين الصوت والحرف ؛ فالصوت الواقع بين القاف والكاف الذي ذكره القدماء واستشهدوا له بقول الشاعر : ولا أگول لگدر الگوم ...إلخ هو صوت ينتمي إلى حرف القاف / ق / ؛ أي ما يسمى في الصوتيات الحديثة : " تنوع صوتي " أو : " متغيِّر صوتي " allophone ، أما الصوت الأساس وهو المسمى حرفا فهو القاف ، والصوت الأساس في الصوتيات الحديثة هو الفونيم phoneme وترجمه بعضهم بالصوت المجرد ، وبعضهم قال: صوتيم ، والأولى في نظري ترجمته بالحرف ، فالحرف ( الفونيم ) صوتٌ أساسٌ يشمل تنوّعين صوتيين على الأقل ، كما يشمل حرف القاف مثلا التنوعات ( الألوفونات ) التالية : 

١ - القاف الفصحى المشهورة اللهوية .
 ٢ - والقاف التي بين القاف والكاف ، وهي التي سموها " القيف " .
3 ـ وقافٌ أخرى بين القاف والكاف ، تنطق كافا مفخمة ، وهي بعض اللهجات المعاصرة ، في جزيرة العرب ومصر وغيرها .
4- والقاف التي تنطق همزة كما في اللهجة المصرية .
5- والقاف التي تنطق غينا كما في اللهجة الكويتية .

فهذا الصوت الذي ناقشوه مجرد تنوع صوتي داخل حرف القاف ، فلا يصح والحالة هذه وضع رمز أبجدي له بين الحروف الأبجدية الأساسية ، وإلا لزمهم وضع رموز لكل أصوات الحروف ، وستبلغ حينئذ العشرات !! وهذا خلط في المفاهيم وخلل في المنهج وعبث في الطرح !! 
نعم يمكن وضع رموز لأصوات الحروف ( ألوفونات الفونيمات ) لكن على أنها رموز صوتية للألوفونات لغرض الدراسة الوصفية كما يفعل كل علماء الأصوات ، لا على أنها رموز للأبجدية للتعبير عن الحروف ( الفونيمات ) كما فعلوا .

وفي قرارهم اضطراب في المصطلحات ؛ فمرة سموه صوتا ومرة سموه حرفا ، مما يدل على أنهم لم يدركوا الفرق بين الأمرين . كذلك حينما نقلوا عن القدماء قولهم : " الأصوات الفروع " ( ذكره سيبويه وابن جني وغيرهما ) ؛ فالفروع يقصدون بها ما يسمى الآن " التنوعات الصوتية " (ألوفونات) ، وقسموها : مستحسنة ومستقبحة ؛ فالفروع تقابل الأصول كما هو معلوم ، فكيف يضعون للفرع رمزا خاصا بين رموز الأصول وكأنه مستقل ؟!

الخلاصة : إن التنوع الصوتي الذي قرروا بشأنه ما قرروا هو ألوفون لهجي ضمن فونيم / ق / ، وله رمزه الصوتي الخاص في الدرس الصوتي ، أما في أبجدية أصوات العربية الفصحى فلا يصح وضع رموز للألوفونات ( الأصوات ) بين رموز الفونيمات ( الحروف ) المعروفة ، لا گ ولا الرمز الذي وضعوه للقاف البدوية ولا غيرهما ، لأن لهذا عواقب خطيرة كما هو معلوم لدى كل ذي علم ووعي .


هناك تعليق واحد: